يلتقي الأحد المقبل وزراء خارجية 28 دولة أوروبية لبحث «مساهمة الاتّحاد الأوروبي في استراتيجية تخَطّي الأزمة السورية، والبدء بعملية سياسية توصِل إلى حَلّ»، فوظيفة الإتّحاد «تثبيت النزوح في الأرض المضياف».
زارَت ممثّلة السياسة الخارجية والأمن فريدريكا موغريني لبنان، تركيا، الأردن، وهي في صدد وضع تقرير لرفعِه إلى المجتمعين. مرَّت في بيروت تحت شبّاك الأزمات الأمنيّة والسياسيّة المفتوحة، ووسط الضجيج الذي تركته زيارة كلّ من الموفد الفرنسي جان فرنسوا جيرو، ونائب وزير الخارجيّة الروسي ميخائيل بوغدانوف. فما هي الدوافع؟
تمنَّت كلّ من الأمم المتحدة، والولايات المتحدة، على الإتحاد الأوروبي العمل على «تثبيت النازحين في الدول التي تستضيفهم، والسعي إلى دمجهم داخلَ المجتمعات الجديدة، الى أن يأتيَ الحلّ للأزمة السورية، وعندها يُبنى على الشيء مقتضاه؟!».
إستضافت إلمانيا الشهر الماضي إجتماعاً موسّعاً كان الهدف منه الإفصاح عن المهمة الجديدة. إنعقدَ تحت عنوان بحث أوضاع النازحين، ووُزِّعت خلاله ورقة، وطُلِب من وزراء خارجيّة الدوَل المضيفة توقيعها. رفض الوزير جبران باسيل، وأعلن أنّ لبنان لا يمكنه تحمّل وِزر مليون ونصف مليون نازح على أرضه، ولا بدّ من عمل دوليّ مشترَك لمعالجة هذه الأزمة.
خلال زيارة رئيس الحكومة تمّام سلام الأخيرة الى بروكسيل، أثيرَ الموضوع من زاوية «بحث الطرُق العملانيّة التي يستطيع أن يستمرّ الإتحاد الأوروبي من خلالها بدعم لبنان والنازحين»، وما عاد به بعض أعضاء الوفد من انطباع، أنّ السلوك لم يتغيّر، ذلك أنّ الاتّحاد مصِرّ على تنفيذ المهمّة سواءٌ وقّعَ لبنان إتفاقيّة جنيف الخاصة باللاجئين، أم لم يفعل.
هناك وسائل يمكن اعتمادُها، فالبيت اللبناني بمنازل كثيرة، والطرُق نحوَه آمنة وسالكة، والأبواب والنوافذ مشرّعة أمام كلّ ضيف، وعابر سبيل، والخلافات السياسيّة، والاحتقانات المذهبيّة هي مجرّد تأشيرة دخول، ومن يدخلْ يستطِع أن يعبثَ بمحتويات البيت كما يحلو له.
خلال زيارتها الى بيروت، أكّدَت موغريني أنّ سياسة الإتحاد الأوروبي تجاه لبنان تقوم على الآتي: الإعتناء بأوضاع النازحين، عددهم، سكنهم، ظروف إيوائهم، أوضاعهم الإجتماعيّة. ثم دعم الحكومة اللبنانية بمقدار ما توفّر لهم الحاجات الأساسيّة التي تتطلّبها أوضاعهم، لتأمين الحدّ الأدنى من الحياة الحرّة الكريمة. وأخيراً دعم ما تبقّى من سلطات لبنانية للحفاظ على الرمز لوحدة لبنان.
مَن اكترَث للزيارة ونتائجها؟ مَن دوَّن؟ مَن تَحسَّس خطورة هذا المنحى؟ عذراً لا أحد، فالكلّ مشغول بالمحاصصات، والكيديات، وشدّ اللحاف لمصلحته إنْ ما يتعلّق بالإنفاق، والوضع المالي في البلاد، أو ما يتعلّق بالإستحقاق الرئاسي، وسائر الإستحقاقات الأخرى، أو ما يتعلّق بخصخصة القطاعات، والتي تأخذ طريقَها الى التنفيذ على أرض الواقع، من خلال لامركزيّة تتبلوَر معالمُها يوماً بعد يوم في ظلّ الفوضى العارمة.
كثرَ الضجيج حول زيارة جيرو، وارتباطها بـ«الرئيس التوافقي». المهمّة أبعد، وأكثر تشعّباً. فرنسا الجنرال ديغول انتهَت. فرنسا «الأمّ الحنون» يجب إسقاطها من القاموس اللبناني، والماروني تحديداً. فرنسا اليوم عضوٌ في الإتحاد الأوروبي، وشريك رئيس في تنفيذ المخطط المرسوم لأوضاع النازحين.
نصيب لبنان أن يتحمّل ما يتحمّله من أعداد وأوزار. يحاول الغرب من خلال بعثاته ومخابراته التعرّف إلى الرؤوس والأدمغة، وأهل الاختصاص بهدف ضَمّهِم الى مجتمعاته، والإفادة من طاقاتهم وإمكاناتهم، والإيحاء لمَن يعنيهم الأمر بأنّ الدول تساعد على التخفيف من هذا العبء. أمّا التغيير الديموغرافي، والتداعيات الأمنيّة والإقتصادية والإجتماعيّة، فمسائل يمكن النظر بها بعد استكمال تنفيذ خريطة تثبيت النازحين في الأرض التي لجؤوا إليها.
حِرصُ الاتّحاد الأوروبي على إستقلال لبنان ووحدته وسلامة أراضيه لا يزال قائماً، وبألف خير، ولكن هذا لا يمنع من أن يستمرّ هذا الحرص أيضاً بعد أن يتكيّف لبنان مع نصف مليون لاجئ فلسطيني، ومليون ونصف المليون نازح سوري، فالمتغيّرات الداخليّة من باب تحصيل الحاصل.
أن يبقى لبنان للّبنانيين، أو يصبح في عهدة الوافدين، فهذا تفصيل، المهمّ أن يستوعب من دون أن ينفجر، وأخطر ما قالته موغريني في بيروت: «أعربت لرئيس الوزراء عن دعمِنا وإعجابنا لعملِه، وقدرته لإبقاء البلاد متحدةً ومجتمعة؟!».