IMLebanon

الزيارات الاوروبية بسبب تفاقم ازمة اللاجئين في القارة العجوز

في اللحظات الأولى، شغلت الزيارة الخاطفة، التي قام بها رئيس الوزراء البريطاني ديفيد كاميرون إلى لبنان، الأوساط السياسية والإعلامية، لكن بعد وقت قصير من مغادرته البلاد تبين أن لا جديد في جعبته، بالنسبة إلى أي ملف متعلق بالساحة اللبنانية، فهو كان يريد فقط الصور التي إلتقطها مع النازحين السوريين في البقاع، بهدف إستغلالها أمام الرأي العام الأوروبي، بسبب تفاقم أزمة اللاجئين في القارة العجوز، لا أكثر ولا أقل، من أجل القول أنه يعمل على البحث عن حلول جذرية، الأمر الذي تأكد من خلال الجولة التي قام بها على النازحين في الأردن أيضاً.

إنطلاقاً من ذلك، تراجعت كل الآمال التي علقت على دور قد تقوم به الدبلوماسية الأوروبية، بهدف إنهاء الفراغ على مستوى الرئاسة الأولى، ولم يعد أحد ينتظر الزيارة التي سيقوم بها الرئيس الفرنسي فرنسوا هولاند إلى لبنان، بسبب تكوين رؤية واضحة عما يمكن أن تحمله من نتائج، وبالتالي يجب البقاء في مرحلة الإنتظار المزيد من الوقت.

في هذا السياق، تشير مصادر سياسية لبنانية، إلى أن البلدان الأوروبية باتت أمام أزمة كبرى، تتمثل بتدفق أعداد ضخمة من اللاجئين إليها، بدلت من إهتماماتها على نحو بعيد، نظراً إلى خطرها على أمنها القومي والإجتماعي، وتلفت إلى أنها تشكل مادة صراع على المستوى الداخلي، بين مختلف الأحزاب اليمينية واليسارية، ما يرجح عدم اهتمامها بأي ملف آخر قبل التوصل إلى حلول لها.

وتلفت هذه المصادر إلى أن جميع المسؤولين الأوروبيين، يسمعون كلاماً لبنانياً عن ضرورة المساعدة في إنجاز الإستحقاق الرئاسي، لكنهم يجيبون بالتأكيد على أهمية توافق الأفرقاء المحليين، وتعتبر أن هذا الكلام يعني أن الظروف على المستوى الإقليمي والدولي لم تنضج بعد، فالجميع يعلم أن اللبنانيين لن يكونوا قادرين على التقدم، ولو خطوة واحدة إلى الأمام، من دون عوامل خارجية مساعدة.

بالنسبة إلى المصادر نفسها، يأمل المسؤولون الأوروبيون أن لا يشكل اللاجئون السوريون في لبنان خطراً عليهم، لا سيما أنهم يعلمون أن الدولة اللبنانية غير قادرة على تأمين مقومات البقاء لهم في أراضيها، خصوصاً في ظل تراجع المساعدات الإنسانية المقدمة من الدول المانحة، ما يعني أن الشواطىء اللبنانية قد تتحول إلى ممر لهم نحو أوروبا، وفي الوقت نفسه يسعون إلى إستطلاع الأجواء في المنطقة قبل الذهاب بعيداً في الحرب على الجماعات الإرهابية المتطرفة في كل من سوريا والعراق، بعد أن أبدت أكثر من دولة جديدة حماستها على هذا الصعيد، بسبب إقتناعها بأن ذلك يساعد في التخفيف من حدة موجات الهجرة غير الشرعية.

على هذا الأساس، تلخص هذه المصادر الأولويات الأوروبية على مستوى المنطقة في المرحلة الراهنة، بالحرب على الإرهاب ومعالجة أزمة اللاجئين، كمقدمة لحجز موقع لها على مستوى التسويات التي قد تحصل في مرحلة لاحقة، وتشير إلى أن الدول الكبرى تدرك جيداً أنها لن تكون قادرة على الجلوس على طاولة المفاوضات، في حال كانت بعيدة عن الواقع الميداني، الذي يقوم على توازن قوى واضح المعالم، ويسعى كل فريق إلى تسجيل بعض النقاط على الفريق الآخر بأي طريقة.

ما تقدم لا يعني أن الساحة اللبنانية متروكة، تشدد أوساط نيابية لبنانية، حيث تؤكد أن المسؤولين المحليين سمعوا كلاماً واضحاً بضرورة الحفاظ على الستاتيكو الحالي، القائم على مستوى الحكومة بأي شكل من الأشكال، حيث من غير المطلوب أن ينتظر لبنان التسويات في المنطقة في ظل حرب داخلية فيه، وبالتالي المطلوب من القوى السياسية الفاعلة الحفاظ على الإستقرار الداخلي بالحد الأدنى، وتضيف: «لا أحد يتوقع منها أكثر من ذلك، فهي عاجزة عن معالجة أي أمر في الوقت الراهن، ما يعني أنها لن تكون قادرة على إحراز أي معجزة من خلال طاولة الحوار التي تجمعها».

وتكشف هذه الأوساط عن كلام يجري التداول به على نطاق ضيق، ينص على ضرورة تبديل الصيغة التي يقوم عليها النظام اللبناني منذ إتفاق الطائف، نظراً إلى فشلها في تأمين إستقرار سياسي طويل دون أن يشعر أي من المكونات اللبنانية بالغبن على مستوى التمثيل في السلطة، وتعتبر أن هذا ما قد يكون الأخطر في الوقت الراهن، حيث من المستبعد أن تقدم أي جهة طائفية أو مذهبية على تقديم تنازلات على مستوى النفوذ والصلاحيات، وتلفت إلى أنها اليوم ترفض الإعتراف بحقوق بعضها البعض المكرسة بالدستور والقوانين، فكيف سيكون عليه الوضع في حال شعرت بأن هناك ما ستخسره عبر عملية سياسية كبرى؟

في ظل هذه المعطيات الخطيرة، تبدي هذه المصادر خشيتها من الوقوع رهينة المخططات الكبرى، التي لم تتضح معالمها بشكل جيد حتى الآن، وتشير إلى أن حالة الفوضى القائمة على مستوى القوى السياسية بدأت تنعكس على الشارع، ما يعني أن حالة الإستقرار، التي تضغط من أجل الحفاظ عليها القوى الكبرى، قد لا تستمر طويلاً، لا سيما إذا كان لبنان جزءاً من الأٌقاليم الجديدة التي ترسم على مستوى منطقة الشرق الأوسط.

في المحصلة، تشدد الأوساط النيابية على أن كل الأمور ستبقى مرهونة، بما يجري في البلدان المجاورة، خصوصاً على صعيد الأزمة السورية، حيث من المتوقع أن يكون شكل التسوية اللبنانية بناء على التوازنات التي سيتم تشكيلها هناك.