وقعت الدول الاوروبية في محظور الهجرة السورية التي تختلف عن النزوح كونها حصلت من مناطق لا سيطرة فيها لداعش والنصرة، لان من غادر بداية هو النازح، ومن ثم حصلت الهجرة من مناطق دمشق وحلب ودير الزور وادلب وحماة، حيث لا تزال للدولة سيطرة عليها، قبل ان تحولها براميل الاسد الى حمام دم زاد في حجم المأساة السورية، وحسنا فعل لبنان عندما يرى في النزوح حالا غير اللجوء، كما سبق وحصل مع شعب فلسطين باتجاه لبنان وسوريا والعراق، مع قلة قليلة من الذين نزحوا باتجاه الولايات المتحدة الاميركية واوروبا الغربية ليتحولوا الى مهاجرين مكتملي الاوصاف!
هذا الامر لا بد وان يتحول تباعا الى ما يفهم منه ان من نزح من سوريا الى اميركا والدول العربية هو المهاجر عن سابق تصميم واصرار لانه خرج من مناطق لا تزال الدولة تسيطر عليها، باستثناء ما حصل في الاونة الاخيرة حيث احال النظام مناطق بأسرها الى جهنم مفتوحة الابواب لكل ما من شأنه ان يزيد السوريين مأسوية من الصعب تحملها من غير حاجة للقول ان القوات المسلحة الروسية ستنقذ مناطق سيطرة داعش والنصرة من هجمية الثورة التي دخلت اولا من العراق!
تجدر الاشارة في هذا الصدد الى ان ظهور البوارج الحربية الاميركية في بداية الاحداث السورية جعل نظام الاسد يشعر بانه غير متروك للمفاجآت، بعكس ما هو حاصل في هذه الاونة مع القوات الروسية التي يهمها ان تكون مساهمة في دمار سوريا لانها تراهن في النتيجة على مرحلة ما بعد الحرب، بعكس ما حصل مع الاميركيين والاوروبيين الذين كانوا يعرفون ان ثمة استحالة امام انقاذ شعب سوريا من فظاعات الاسد وجرائمه، لذا ربما فضلوا ترك داعش والنصرة في مواجهة مع النظام على امل ان يسقط الاسد بفعل ضربات داخلية وعلى امل ان يكون لهم نصيب لاحقا في اعمار سوريا (…)
اما وقد ارتفع منسوب الدم السوري الى حد تحول البلد الى ما يشبه ضرب الاستقرار مرة واحدة ونهائية من غير حاجة الى تدبير احترازي القصد منه انهاك الدولة السورية والنظام في وقت واحد يشبه الى حد كبير ما حصل في افغانستان التي عادت وسقطت بيد الاميركيين بعد طول سيطرة «سوفياتية» لم ينقذهم منها سوى الغباء الاميركي الذي ظن ان بوسع واشنطن اكمال معزوفة التدمير التي بدأها الروس عن سابق اصرار وتصميم قبل ان يكملها الاميركيون (…)
واللافت في هذا الصدد ان روسيا عادت في هذه الاونة الى الشرق من البوابة السورية حيث يستحيل على احد الوقوف في وجهها، ليس لان داعش والنصرة غير قادرتين على محاربتها، بل لان الاصول العسكرية قد اختلفت الى حد التباين بين ما ليس بوسع المعارضة السورية ان تؤديه في مواجهة الروس الذين يعرفون كيفية تغطية حملاتهم الحربية بأسوأ من كل ما صدر ويصدر عن خصوم الاسد في الداخل والخارج، خصوصا ان الغرب قد اقنع نفسه بانه ينفذ عمليات انقاذ للنازحين السوريين فيما المقصود من هؤلاء مجموعات ضخمة من المهاجرين.
وفي المقابل، بدأ تكشير الروس عن انيابهم لانهم متستعدون لان يخوضوا حربا عالمية ثالثة من الصعب على غيرهم القيام بها، الا في حال لجأ الغرب الى انزال جيوشه في العراق وسوريا، وهذا غير متوفر في الوقت الراهن، حيث هناك تعقيدات ايرانية موجودة على الارض العراقية وعلى الارض السورية ما يمنع التوسع الا في حال كانت مواجهة ميدانية ليس من هو على استعداد لان يرصدها مهما اختفلت الاعتبارات السياسية والعسكرية.
ان نقطة الضعف الروسية تكمن بالنفس القصير لالة الحرب لديها، مع العلم ان اميركا وصلت الى حد اعتبار ضيوفها من المهاجرين السوريين حالا اجتماعية مستقلة من الصعب تخطيها بالوسائل العادية بما في ذلك وسائل الاعلام الذي يصب راهنا في مصلحة الروس الذين سيجدون انفسهم في مواجهة ميدانية مباشرة مع داعش والنصرة وكل ما من شأنه ان يشكل حالة رفض على الاراضي السورية.
وحسنا فعل لبنان امام مجموعة الدعم الدولية ان اكد انه في غير وارد القبول بلجوء سياسي لا يترجم في سياق النزوح، حيث يستحيل عليه لاحقا ان يرى اولا في عودة النازحين السوريين الى بلدهم من غير حاجة الى انتظار مرحلة هدوء، كي لا تتطور الامور الى ما يشبه حال الهجرة لدى الفلسطينيين المقيمين على ارضه؟!