جولة الرئيس الإيراني حسن روحاني الأوروبية الأسبوع المقبل التي يزور خلالها ايطاليا والفاتيكان وفرنسا، تطرح بعض الأسئلة عن الهرولة الأوروبية للتطبيع مع إيران بعد الاتفاق النووي. فعندما زار وزير الخارجية الفرنسي لوران فابيوس إيران في آب (اغسطس) الماضي، كان مهتماً جداً وفق ما قاله لوكالة الأنباء الإيرانية أن يتم بسرعة تعويض الوقت الذي ضاع لفرص التعاون الاقتصادي مع إيران. أما رئيس الحكومة مانويل فالز فقال خلال جولته إلى مصر والأردن والسعودية أنه يتطلع لطي صفحة الماضي مع إيران وتكثيف العلاقات الاقتصادية معها.
صحيح أن سوق إيران التي يعيش فيها حوالي ٨٠ مليون شخص هي سوق واعدة للغرب والشركات المتعددة فيه. ولكن أغرب ما في هذه الهرولة أنها توحي كأن الاتفاق النووي مع إيران هو نهاية المشكلات التي تسببها إيران في المنطقة. فكلام فابيوس أنه اتخذ موقفاً صارماً من الاتفاق النووي، مما أدى إلى التشدد تجاه الإيرانيين هو لتغطية واقع مرير وهو أن الرئيس الاميركي باراك اوباما ووزير الخارجية جون كيري هما اللذان فرضا هذا الاتفاق، في حين أن أصوات الدول الخمس الأخرى المفاوضة حتى عندما ارتفعت لم تكن فاعلة، فمنذ البداية كانت نوايا اوباما فرض هذا الاتفاق على الجميع. وهرولة الأوروبيين لاستقبال روحاني هي طبعاً لأنهم متعطشون للحصول على حصة في السوق الإيرانية ومحاولة التنافس مع الشريك الاميركي الذي سيترك لهم الفتات، لأن للولايات المتحدة تاريخ تعامل طويلاً في السوق الإيرانية. وكان فابيوس وعد قبل زيارته إلى إيران بالتحدث مع الرئيس الإيراني حول سورية وتعطيل انتخابات الرئاسة في لبنان. ولكن الموضوع اللبناني لم يأخذ مع محاوريه الإيرانيين أكثر من ٥ دقائق، لأن فابيوس مل من موضوع لبنان الذي لم يعد له تأثير كبير في الرأي العام الفرنسي. وأي سياسي في الدول الديموقراطية يهتم بما ينقله الإعلام في بلده. فكل الزوار الفرنسيين الرسميين من معارضين للحكومة الحالية أو من نواب اشتراكيين يذهبون إلى لبنان في شبه سياحة لزيارة اللاجئين وأخذ الصور معهم والعودة إلى فرنسا، لأن موضوع اللاجئين هو موضوع الساعة في فرنسا. فباريس تمد السجاد الأحمر للرئيس الإيراني ونظامه الذي يحارب إلى جانب نظام بشار الأسد، الذي وصفه فابيوس أكثر من مرة بأنه «مجرم» تجب محاكمته. والنظام الإيراني هو الذي يدافع عن الأسد الذي أسقط أكثر من ٢٠٠ الف قتيل في بلده وشرد الملايين وتسبب في نزوح أكثر من ٧ ملايين لاجئ. فلولا إيران و «حزب الله» والآن التدخل الروسي المباشر لما تمكن الأسد من الصمود.
وأوروبا تستقبل رئيس نظام يقوم بأعمال تخريبية في كل المنطقة. فحرب اليمن حصلت بسبب التدخل الإيراني منذ سنوات على حدود السعودية. والكل يعرف أن إيران نشرت الصواريخ على الحدود قبل حرب اليمن وساعدت ودربت الحوثيين منذ سنوات. وإيران تهيمن في العراق على البرلمان والحكومة. وتحاول قدر الإمكان التصدي لمحاولات رئيس الحكومة العراقي في انتهاج سياسات مستقلة، فإيران تعكر عليه عبر حلفائها الكثر في الحكومة والبرلمان والميليشيات تماماً مثل ممارساتها في لبنان. فزيارة الرئيس الإيراني إلى فرنسا مرتقبة من جميع القطاعات ليس فقط الاقتصادية والسياسية ولكن أيضاً من الرأي العام الغربي الذي تجذبه الثقافة الإيرانية وتراث هذا البلد وتاريخه، في حين أن النظام الحالي يتمثل بـ «الحرس الثوري» وقاسم سليماني وليس بالرئيس ووزير الخارجية اللذين لهما سلطة ونفوذ محدودان على السياسة المتشددة والتخريبية في منطقة الشرق الأوسط.
وفي كل الأحوال، سيكون الانفتاح الاقتصادي الغربي على إيران لمصلحة حروب «الحرس الثوري» الذي سيستفيد من المزيد من العائدات والأموال، لإنفاقها على هذه الحروب في المنطقة. لقد بدأت نتائج الاتفاق النووي مع إيران تظهر بوضوح.