يبذل رئيس الحكومة سعد الحريري جهده ويخسر من رصيده الشعبي ليبقى محافظاً على علاقة جيدة مع رئيس الجمهورية العماد ميشال عون، ومع تكتل التغيير والاصلاح، من جهة، وللمحافظة على مصلحة لبنان من جهة ثانية، بوضع خلافاته الاستراتيجية والاساسية جانباً مع حزب الله، لتبقى الحكومة، المرفق العام الأساسي شغّالاً، في الظروف المصيرية التي تمرّ بها المنطقة ولبنان من ضمنها، والتزاماً منه بمضمون البيان الوزاري الذي يحمل عنوانين رئيسيين، النأي بلبنان عن احداث المنطقة القريبة والبعيدة، واستعادة ثقة المواطن بالحكم والحكومة، ويبدو انه حتى الآن فشل في تحقيق العنوانين.
من جهته، لم يكن حظ الدكتور سمير جعجع، رئيس حزب القوات اللبنانية، افضل من حظ صديقه سعد الحريري، حيث انه اصيب بخيبات أمل عدة، وفق تصريحاته، وتصريحات قيادات في حزب القوات، من تعامل «خيّه» معه، إن كان داخل الحكومة ودهاليزها، او في السياسة العامة الداخلية والخارجية، التي حادت في اكثر من مكان ومناسبة عمّا تم التفاهم عليه في اتفاق معراب، حتى انه ظهر في الايام القليلة الماضية، ان سماء العلاقة بين الحريري والتيار ملبّدة بغيوم كثيفة سوداء مثلها مثل الغيوم التي تلبّدت في سماء اتفاق معراب، وان الأمر بحاجة الى معالجة سريعة، قبل ان تتحوّل الغيوم الى طوفان يطيح بالحكومة وببيانها وبجميع التفاهمات التي أبصرت النور في ظلّها.
على الرغم من مسارعة اطراف معنية الى فتح الخطوط المسدودة، لتعود سالكة وآمنة، لا يمكن القول ان كل شيء انتهى، «وصافي يا لبن» والعبرة بما سوف تحمله الايام المقبلة، لأن هناك شائعات ترمى هنا وهناك، بعضها يقول ان هناك قراراً اتّخذ من دول وقوى الممانعة باسقاط الحكومة، وابعاد الحريري عن رئاستها، وحزب القوات عن الحكومة من ضمن مواجهة مكشوفة، كما ان هناك شائعات تتحدث عن ان تحالف الولايات المتحدة الاميركية مع السعودية ودول الخليج، اخذ القرار بترتيب البيت اللبناني استعداداً لمواجهة مع ايران والنظام السوري وحفائهما.
دخول الحزب التقدمي الاشتراكي طرفاً ثالثاً في النزاع السياسي مع التيار الوطني الحرّ، سيأخذ في حال انتشر وتوسّع ولم يتم ضبطه، بعداً طائفياً ممجوجاً ومرفوضاً، حرصت الردود الاشتراكية على التحذير منه، والدعوة الى التمسّك بمصالحة الجبل، والمريح في وسط هذه «الخضة» السياسية ان الاطراف التي هي على خلاف واختلاف مع مواقف رئيس حزب التيار الوطني الحرّ، جبران باسيل، حيّدت رئيس الجمهورية العماد ميشال عون، وحصرت مشكلتها بوزير الخارجية، ولو ان هناك اقتناعاً بان باسيل لا يُغني موالاً من عنده، الا ان ترك الباب مفتوحاً مع سيد بعبدا، من شأنه ان يعطي الجميع فترة تنفسّ، لانضاج حلول تعيد الوضع الى ما كان عليه من تشكيل الحكومة، هذا اذا كان هناك نيّة حسنة يبنى عليها لتمرير ما تبقى من عمر هذه الحكومة التي اثبتت مرة اخرى، ان حكومات «بتاعكلو» ليست سوى حكومات الغام قادر اي فريق على تفجيرها عندما يحلو له ذلك، او عندما يطلب اليه ذلك.
الحكومة الآن على ابواب غرفة العناية الفائقة، لا تدعوها تدخل، موتها افضل من حياة مشلولة.