فوجئ اللبنانيون، مثل كثير من النازحين السوريين بصور السيارات التي تنقل مئات النازحين من بلدة عرسال البقاعية، إلى عسال الورد وقرى أخرى في القلمون.
قد يكون هذا المشهد جديداً على اللبنانيين الذين ألفوا منذ ما بعد 15 آذار 2011، تاريخ إندلاع الثورة السورية، رؤية قوافل النازحين تعبر الحدود لتستقرّ في لبنان.
لم يكن أكثر المهلّلين لإستقبال النازحين الذين تركوا بيوتهم وقراهم يعلم أنهم سيمكثون وقتاً طويلاً على إعتبار أنّهم توقّعوا في حينها سقوط النظام السوري، في حين أنّ قسماً آخر كان يرى في حجم النزوح الهائل الى لبنان مشهداً يشبه اللجوء الفلسطيني وما سبّبه هذا اللجوء من حربٍ أهليّة.
لكن وعلى رغم كرم الضيافة اللبنانية تخلّى المجتمع الدولي عن دعم لبنان، وخرجت أصواتٌ تتّهم الشعب اللبناني بـ»العنصرية» بعدما صرخ من وجع النزوح.
ومهما قيل عن المعاناة، فإنّ بلدة عرسال عانت أكثر من غيرها، وقد دفعت الثمن الأغلى إقتصادياً وعسكرياً، حيث فاق عدد النازحين عدد العراسلة بثلاث مرّات. لكن، يوم السبت أعلنت قيادة الجيش أن «وحدات من الجيش العملانية ومديرية المخابرات، واكبت نازحين خلال انتقالهم على متن 30 سيارة مدنيّة من أنواع مختلفة، من مخيمات عرسال إلى آخر مركز تابع للجيش على الحدود اللبنانية- السورية في جرود المنطقة، حيث تابعت انتقالهم من هناك إلى بلدتهم- عسال الورد في الداخل السوري».
واللافت في الخبر، أنّه يأتي بعد إعلان الأمين العام لـ»حزب الله» السيد حسن نصرالله منذ مدّة إخلاء «حزب الله» مواقعه العسكرية في السلسلة الشرقية، ما يدفع الى التساؤل هل إنّ قرار تفكيك لغم النازحين في عرسال قد إقترب، وهل إنّ عزل حدود لبنان عن أحداث المنطقة يحتاج إلى تفكيك مخيمات النازحين وعودتهم الى بلادهم؟
دور الجيش
كل تلك التطورات يتابعها الجيش اللبناني بدقّة، فهو الذي إنتشر في النقاط الحدودية التي كان يتمركز فيها «حزب الله»، كما واكب عملية عودة النازحين بكل تفاصيلها.
وفي السياق، يكشف مصدرٌ عسكريّ رفيع لـ»الجمهورية» أنّ «الجيش كان المسهّل الأساس وحامي النازحين الى حين عبورهم الى أراضيهم»، مشيراً الى أنّه «كان جزءاً أساسيّاً من العملية، لكنّه لم يفاوض النظام السوري على العودة، بل إنّ مَن تولّوا المفاوضات هم المسؤولون عن النازحين أي قياداتُهم في المخيّمات، وتمّ ذلك عبر وسطاء مع النظام السوري و»حزب الله».
ويؤكد المصدر أنّ «الجيش تابع العملية من أوّلها حتى نهايتها، فقد علم أنّ هناك عائلاتٍ راغبة بالعودة الى عسال الورد وبعض القرى التي لم تهدأ فيها الإتصالات، ورحّب بالأمر لأن لا حلّ لمشكلة عرسال بلا حلّ أزمة النازحين».
ويوضح أنّ «عودة البعض تأمّنت، و»الحبل على الجرّار»»، كاشفاً عن «عمليات تفاوض عدّة تحدث من أجل عودة بقية النازحين، فكلما ننتهي من التفاوض سنسهّل عبورهم الى بلادهم، لأنه من حقّ أيّ إنسان العودة الى بيته وأرضه».
وعما إذا كانت العملية مرتبطة بإخلاء الجيش للمدنيين تمهيداً لمعركة الجرود، يشدّد المصدر العسكري على أنّ الجيش خاض في السابق أشرس المعارك وكان هناك مدنيون، وبالتالي فإنّ الجيش اللبناني هو من أهم الجيوش التي تحترم قواعد الحرب وتحرص على المدنيين، وأثبت ذلك في حرب «نهر البارد» وحرب عرسال السابقة، وهذا الأمر يشهد له المجتمع الدولي».
إرتياح عرسالي
تركت هذه العملية إرتياحاً في الأوساط العرسالية، كما أنّ اللبنانيين جميعاً تفاعلوا معها. وفي السياق، يؤكّد رئيس بلدية عرسال باسل الحجيري لـ«الجمهورية» أنّ «السوريين العائدون الى بلداتهم يقدّرون بالمئات، وهذا أمر جيد جداً، ونتمنّى أن يعود الجميع الى بيوتهم».
ويلفت الى أنّ «العودة تطلبت التنسيق مع جهات عدّة، أولها الجيش اللبناني، فهؤلاء لا يمكنهم تخطي عرسال من دون إذن الجيش، والجهة الثانية تضمّ المسؤولين عنهم في مخيماتهم، أما ولكي يعبروا الى داخل الحدود فهم يحتاجون الى موافقة «حزب الله» والنظام السوري، لذلك فإنّ الذين تدخّلوا في هذا الأمر معروفون».
ويوضح الحجيري أنّ «العائدين هم من بلدات القلمون وعلى رأسها عسّال الورد»، مشيراً الى أنّ «قسماً كبيراً من العائدين موجود في الجرود لكنّ هناك قسماً آخر كان يقطن في بلدة عرسال، وبالتالي فإنّ عودتهم ليست مرتبطة فقط باقتراب فتح الجيش معركة تنظيف الجرود من المسلحين».
ومن جهة ثانية، يرى الحجيري في تلك العودة بارقة أمل، وباباً يُفتح من أجل حلّ أزمة الجميع، «فقد عاد المئات من أصل نحو 100 ألف نازح في عرسال، العدد قليل نعم، لكننا نراهن على أنّ العائدين سيخبرون أقاربهم بأنّ الوضع في قرى القلمون جيّد ممّا يدفع نازحي عرسال الى التفكير بالعودة».
ويكشف الحجيري أنّ «الوساطات تجرى في أكثر من إتجاه، فهناك نازحون من حمص والقصير على وجه التحديد، لكنّ القسم الأكبر من القلمون والجوار، لذلك نأمل نجاح الوساطة، غير أنّ هناك حديثاً عن نقل النازحين الى مناطق آمنة في إدلب في حال لم تتمّ المصالحات في البلدات التي ينتمون إليها». كما كشف عن إجتماع مع المنظمات الدولية سيُعقد الخميس المقبل للإطّلاع على الأوضاع والمساعدات التي تقدّمها تلك المنظمات الى النازحين.
إذاً، الباب فتح أمام العودة التي يؤكّد كثيرون من المتابعين أنها تأتي أيضاً نتيجة الدعم الدولي للبنان، حيث أنّ حلّ أزمة نازحي عرسال باتت ممكنة، فيما وضع حدّ لأزمة النازحين في المنطقة تتطلّب قراراً أكبر لم يأتي بعد.