هل كانت يوماً لهذه الأمة العربية “الإسلامية” حضارة حقيقية؟ أمة تنقسم على نفسها اليوم هادمة كل ما كان بدءاً من حلم القومية العربية التي خطف وهجها تطرّف طائفي مذهبي… الى أن تفككت الاوطان العربية وقامت قيامتها تحت خناجر التنظيم الإسلامي الداعشي الذي نبت من تحت الأرض، جذوره في إسرائيل وفي بلدان الخليج وفي غرب أميركي أوروبي، وظهرت براعمه مع حروب أهلية بين معارضات وأهل أنظمة هجّرت الأهالي وهدّمت البناء وأحالت الأماكن أطلالاً كأنها ما حملت يوماً حضارة عربية، فهل حقاً حملت؟
وسيظل أهل العراق يحاربون لاستعادة ما قضم داعش علناً والغرب في السر من أرض بلاد ما بين النهرين. كذلك السوريون الذين يواجهون التفجير والقتل والدمار، وتدخل غربي وقح يتحدث عن إعادة بناء سوريا على ذوقه، بعدما هدم الدواعش الأماكن الأثرية لبلاد ما بين النهرين واحتلوا مدينة تدمر التي تعود آثارها الى ما قبل المسيح وقد كانت يوماً وطن زنوبيا ملكة تدمر العظيمة التي تحدّت روما بكل جبروتها.
من ذا يطرق أبوابها اليوم ملتحفاً المذهبية المتخلفة في القرن الحادي والعشرين؟ من ذا يهجّر البشر وينشر الذعر فوق أرض حملت قديماً حضارات غيّرت وجه التاريخ؟ باستثناء احتلال همجي عثماني استمر أربعة قرون امتص خلالها ماء الحياة وترك العالم العربي مهيّأ تماماً لما يحصل له اليوم.
العرب اليوم أعداء طوائف ومذاهب على رغم إيمانهم الشديد بإله واحد أحد، وبناء جهنم إذا ما خالفوا طرق العبادة وقتلوا وسرقوا وهدموا وفجّروا واعتدوا على الأطفال والنساء ولو من باب النكاح المشرّع.
وفي ظل أبعاد روحية ما تطوّرت مع مرور مئات السنين تعيش “أقليات مسيحية” هي في الأساس صاحبة الأرض. مسيحيون عرب هم ضحايا هذه الحرب، لا ينخرطون في ملحمتها الدامية الصاخبة، فيهاجرون الى أماكن آمنة تاركين بيوتهم تهدم تحت رايات “تنظيم” داعش السوداء التي جلبت سواد عصر جاهلية دموي تحركه أصابع غرب صهيوني خفية.
الحرب المذهبية الشرق الأوسطية القذرة التي تتغذى بمياه اليهودية الإسرائيلية الآسنة: صورة حقيقية لإنسان هذا القرن الى أي دين انتمى والى أي أرض. فتغيير خرائط الاوطان أصابنا مع سايكس – بيكو. وحكاية شرق أوسط كوندوليزا رايس المتصهينة، التي بشرتنا بشرق مهترئ لا تشرق فوقه الشمس، تخبر أيضاً عن شعوب “لعبة” بين أياد مجرمة تظللها بنديرة داعش السوداء. الى أن تشرق شمس الوعي العلماني على المجرم وعلى الضحية معاً ولو بعد ألف عام.