وصلت حالة الانقسام العميق والتناحر الحاد بين حركتي «فتح» و «حماس» حداً صار متعذراً معه تنظيم الاحتفال الذي كان مقرراً اليوم في قطاع غزة لإحياء الذكرى العاشرة لرحيل الزعيم الفلسطيني ياسر عرفات.
فعلى رغم كل محاولات التوصل إلى تسوية بين الفصيلين الكبيرين تسمح بتجاوز الخلافات وتقديم المصلحة الفلسطينية العامة على المصالح الفئوية والسياسية، وعلى رغم ما ظهر وكأنه خطوة إيجابية على هذا الطريق من خلال الاتفاق على حكومة الوفاق الوطني برئاسة رامي الحمدالله، فإن التهديدات المتبادلة وحالة الاحتقان السائدة وصلت الآن إلى حد أن القياديين من كل طرف لا يأمنون على حياتهم في «أراضي» الطرف الآخر، كما تبين من الاعتداءات التي تعرضت لها منازل عدد من قياديي «فتح» في قطاع غزة، والرد الذي جاء عليها على لسان «كتائب الأقصى» في بيان هددت فيه «حماس» بالقول: «هذه الأفعال ستجدون مثلها في الضفة، ولن نسمح بأن تفجروا وتقتلوا أبناء فتح في غزة وأبناء حماس في الضفة ينعمون بالأمان»، وتعهدت أنه «لن يكون أمان لأحد منكم في الضفة وستكون رموزكم هدفاً لكتائب الأقصى».
نتيجة ذلك، نحن الآن نواجه أرضية كاملة الصلاحية لاشتعال حرب أهلية فلسطينية تهدد حياة كل «فتحاوي» في غزة وكل «حمساوي» في الضفة. ونكاد نقول إن من حسن الأقدار التي تلطف بالفلسطينيين أن أراضي الضفة وغزة غير متصلة، وإلا لكانت مخاطر الانزلاق إلى الصراع الداخلي الدامي أخطر بكثير، ولكنا شهدنا مسرحاً فلسطينياً شبيهاً بالمسرحين السوري والعراقي، وأكثر قرباً في طبيعته ومضاعفاته إلى ما عرفته الساحة اللبنانية في السبعينات والثمانينات من القرن الماضي، والذي كان لليد الفلسطينية دور لا بأس به فيه.
كان يفترض أن يشكل الإرث الذي تركه ياسر عرفات وصورة الزعيم الوطني التي بقيت عنه في أذهان الفلسطينيين، على اختلاف انتماءاتهم السياسية، ضمانة كافية لتجنب الانزلاق إلى المخاطر والتهديدات التي تواجه الساحة الفلسطينية اليوم. غير أنه يبدو أن التفكك الداخلي الذي يضرب المجتمعات العربية، حيث تتقاتل كياناتها الطائفية والسياسية والحزبية، لن يوفر الساحة الفلسطينية المصابة هي الأخرى بأعراض الداء العربي المتفاقم، على رغم أنها نجحت إلى اليوم في تجنب مضاعفاته وذيوله.
وهكذا، فإن الرجل الذي قاد حركة التحرر الفلسطيني في أصعب المراحل، وحقق الحلم الذي طالما تحدث عنه، برفع علم فلسطين ولو فوق شبر واحد من الأرض كي يكون ذلك تمهيداً لتحقيق حلم الاستقلال الكامل بعد انسحاب إسرائيل من الأراضي التي تحتلها وتمنع قيام الدولة الفلسطينية عليها، حتى هذا الرجل لم يعد قادراً على منع الانزلاق إلى هذا النزاع الفلسطيني المعيب، والذي لا يمكن توفير أي مبرر أو عذر له، وخصوصاً في الوقت الذي تفتك حكومة نتانياهو والمستوطنون العنصريون بما تبقى من وجود فلسطيني في القدس.
من هنا، يمكن تصور حجم الخيبة الفلسطينية، بين سكان الضفة وقطاع غزة على السواء، عندما يصل الخلاف بين قياداتهم إلى حد يعجز فيه الفلسطينيون عن إحياء ذكرى ياسر عرفات على قسم من الأرض الفلسطينية في غزة، بحجة أن من الصعب على الأجهزة الأمنية في القطاع (وهي أجهزة «حماس») تأمين المهرجان وحماية المشاركين فيه.