لم تقم الجرافة التابعة لاتحاد بلديات الضاحية بإزالة بعض المخالفات والتعديات والبسطات الخانقة للطريق العام في منطقة «الموقف» في حي السلم فقط، بل أزالت معها الغشاء الهش الذي ظلّل المنطقة كما كل مناطق سيطرة «حزب الله»، وكمّ أفواه أهاليها لسنين قليلة مضت، كاشفة بطريقها عن «سطحية» العلاقة التي تربط الحزب بجمهوره، التي بنت صورة كاملة لجمهور يهتف ويقدّم أولاده ورجاله «فدا السيد». جرافة وبسطة مخالفة كانتا كفيلتين بكشف المستور «المعلوم» وبقلب المعادلة من «فدا السيد» إلى شتائم واتهامات وصراخ، وعتاب ليس بعيداً عن الكره موجّهاً مباشرة إلى السيد حسن نصرالله.
فجأة علت أصوات سكان حي السلم. صراحة لم يعهدها أي من المتكلمين ولا المتلقين ولا القيمين على العملية، انفجرت ويلات الحرب السورية في وجه «حزب الله» وانتهى أمر «الإزالة» بشتائم، خلصت إلى مشاهدة اللبنانيين بأمّ العين على شاشاتهم ومواقع التواصل الاجتماعي الأمين العام لـ»حزب الله» وقيادات الحزب يُشتمون ويُهانون في عقر دارهم ومن قبل جمهورهم.
بيئة الحزب الحاضنة ورافعته الأساسية في ميادين المعارك القتالية وصناديق الاقتراع، التي لم توفر جهداً وفوضى وتهديد يوم بُثّ مشهد تمثيلي فكاهي يتناول نصرالله سياسياً بعيداً عن موقعه الديني، فهبّ شبان الضاحية وحي السلم يومها إلى قطع الطرقات وإحراق الإطارات مطالبين مخرج المشهد بالاعتذار بحجة «قدسية» موقع وصورة نصرالله غير القابلة للمس بأي شكل أو أسلوب، عجزت كاميرات المحطات اللبنانية بالأمس عن تأمين تغطية كافية لردود أفعالهم الغاضبة. شاشتا «المؤسسة اللبنانية للارسال» و«الجديد» كانتا الأكثر نشاطاً. هنا مقطع لرجل يتعرض بالسباب للسيد حسن، وقرار دخوله الحرب السورية وإرسال شباب الضاحية إلى القتل، وهناك مقطع لسيدة تتهم الحزب بمساعدة النساء الأرامل مقابل عقود (المتعة) «حزب الله بس بدو شي من المرا بدو عقد ليحطّلاّ مصاري بجيبتا وبشهر رمضان الشيخ بس بدو يوزع المونة بضب نصن ببيته»، وفيديو ثالث عن سيدة تتهم نصرالله وحزبه بتدمير الضاحية «الشهدا عنا بالآلاف، ما فيك جنس الإنسانية»، فيديو رابع وخامس وسادس، تلقتهم المواقع الافتراضية عن واقع مرير حتماً ما كان الحزب لينجح في أخفائه لوقت أطول. فالأمر واضح تماماً، علاقة عضوية متينة تربط الجهتين ببعضهما، المخالفات والتعديات والاحتيال وتجاوز القانون والإفلات من العقاب وصولاً إلى تأمين العمل ولقمة العيش والدراسة والطبابة ودفع تعويضات أسر القتلى، مقابل شباب ورجال، أرواح تخلق وتموت خدمة للحزب، وها هي عند أول هزة ارتدادية خفيفة تنهار كل الالتزامات وتعلو الأصوات متخطية كل الحدود والمحاذير.
ما خرج من حي السلم بالأمس لاقى صداه في كل لبنان، حرف الأنظار جزئياً عن المعتدي على الأملاك العامة ليتحول إلى «الذل» و«الحقد» الذي عبّر عنه مواطنو المنطقة تجاه الحزب. فكتب رائد حسون «هيدي أول مرة الشارع الشيعي بينفجر بهالطريقة عالتلفزيونات، كنا نضل نقول إنو الشارع الشيعي ما بقى يقدر يستحمل فساد الحزب وقصصه هيدي، كنا نضل نقول إنو مستحيل هيك ظالم يضل ما كانت الناس تصدق»، أما ليندا شعبان فقالت: «الحزب المسؤول الأول عن اللي وصلوا إلو اليوم أهالي الضاحية، من أول يوم غطوا على التعديات عالأملاك العامة وخلوا صورة الضاحية اللي خارجة عن القانون ومسكرين عحالهن! سكتوا وعملوا بيئة حاضنة للمقاومة وقدموا أولادهن، وكان السكوت مقابل السكوت على أوضاعهن وأشغالهم! اليوم جايين يتخلوا عنهن.. طبيعي تقوم الصرخة ونسمع اللي سمعناه.. الوضع تغيّر كتير وهالمرة ما بقى فدا إجرو أبداً».
أما فاطمة عيد فنشرت فيديو الرجل الغاضب من إزالة محله قائلة «هيدا رجّال حكي ضميرو قال شباب الوطن بيموتوا بسوريا كرمال إيران»، أما سامي سلامة فكتب «قطع الأرزاق أخطر من قطع الأعناق وإلا حيفلت الملقّ»، وقالت ألين «حتى الفساد طفح كيله»، فيما علقت ميرنا نصرالدين على كلام مواطني حي السلم «الخز مقابل الشهداء… توقيع حزب الله». أما جان بيار اندراوس فلاحظ «قبل العقوبات المالية وهيك كيف بعدها؟». وسألت ألين من جديد: «أديه حزب الله ضحك عبيئته وقنعهم أنو شهادة أبنائهم مقابل العيش فوق القانون؟». وقال اياد درزي مستغرباً كلام المواطنين: «تقديم الشهداء يجعلهم اشرف الناس ويحق لهم أن يفعلوا أي شيء لا القانون يردع ولا أخلاق تنفع». وعلّق أمير أبو عديلة «شو زرعت يا سيد تحصد زرع حزب الله منطق الدويلة الرافضة للقانون والنظام في نفوس الشباب الشيعة، وأرسلهم الى سوريا للقتال قائلاً لهم بأن قتالكم هناك سيسمح لكم بأن تكونوا فوق القانون، وعندما قررت الدولة وضعهم تحت سقف القانون حصد أشخاصاً يسبّون سوريا ومن يرسلهم إليها».
هذه الصرخات ليست لأشخاص محددين ظهرت وجوههم على شاشات التلفزة وانتشرت صرخاتهم وتعليقاتهم على مواقع التواصل الاجتماعي، بل هي نتيجة هذه المنظومة المغلقة، نتيجة «الفحولة» و«الغطرسة» التي باتت تحكم اللبنانيين، من أصغر شارع فقير في القرى والمدن اللبنانية وصولاً الى أهم قرار تتخذه الدولة اللبنانية على المستوى الداخلي أو الخارجي، ومن أبسط عملية قانونية لإزالة مخالفة إلى أهم موقف أو حدث يهدّد السلم الأهلي وكيان الدولة والوطن.