لو نجح الانقلابيون «الاتاتركيّون» في تركيا، وازاحوا السلطان اردوغان عن السلطة، كانت الاوضاع في منطقة الشرق الاوسط وحتى في اوروبا تحرّكت زلزالياً باتجاه المزيد من التأزم، ولكن مع فشل المحاولة الانقلابية غير البيضاء، يمكن القول ان الاستراتيجيا الموضوعة للدول الشرق اوسطية، سوف تستمر كما هي الآن، وربما مع تعديل بسيط في سياسة اردوغان، سلباً او ايجاباً وفق قراءته لما حدث في بلاده. لذلك من المفيد عدم الغياب عن مشاكلنا الداخلية الكبيرة المتعثرة، وخصوصاً ما يتعلق منها بصــحة المواطن اللبناني التي اصبحت في دائرة الخطر المباشر، بعد الاعلان الصادم، حول تلوّث جميع مجاري الانهار في لبنان، الكبير منها والصغير، وخصوصاً نهر الليطاني الذي تسـتفيد منه منطقتان كبيرتان هما البقاع والجنوب، وما يمكن ان يسببه هذا التلوّث من اضرار بيئية وصحية على مساحة الوطن كله، وليس على البقاع والجنوب فحسب، لان المنتوجات الزراعية في هاتين المنطقتين، والحيوانية من اجبان والبان ولحوم تدخل جميع مناطق لبنان، وتدخل معها النسب العالية والكبيرة من التلوّث على انواعه، بحيث يؤكد بعض خبراء البيئة والحالات الجرثومية ان لبنان على ابواب كارثة صحية كبيرة، سوف تطول مئات الالوف من اللبنانيين في شكل او في آخر، وحتى يعرف المواطن مدى خطورة تلوّث نهر الليطاني وحده، يجب الاخذ في الاعتبار المعلومات التي كشفها وزير الصحة وائل ابو فاعور في مؤتمره الصحافي يوم السبت، والتي يمكن تلخيصها بالاتي:
نسبة التلّوث كبيرة ويجب القيام بحملة تنظيف سريعة، والمسؤولية تقع على الدولة والمواطن والمصانع، بما يعني ان وزارة الداخلية مقصّرة او مهملة او متواطئة في قمع المخالفات التي تسبب التــلوث، ووزارة الصحة مقصّرة في التوعية، ووزارة العدل لا تقوم بواجـباتها في ادانة المسؤولين (ويمكن هنا الاشارة الى تقصير القضاء في موضوع معمل الترابة الذي تنوي عائلة فتوش بناءه في عين دارة) ووزارة الزراعة لأنها لم تمنع ريّ المزروعات بالمياه الملوثة ووزارة الصـناعة لعدم ملاحقة اصحاب المصانع الذين يرمون نفاياتهم في مجرى النهر، والمجتمع الدولي الذي وضع حمّامات لمخيمات النازحين السوريين العشوائىة تصبّ جميعها في مجرى النهر وفي بحيرة القرعون، ومع ذلك لم تتحرّك وزارة الشؤون الاجتماعية والوزارات المعنية الاخرى لوقف هذه الجريمة، وعلى الرغم من وعود الامم المتحدة بتقديم الاموال اللازمة لتنظيف بحيرة القرعون ومجرى الليطاني، الاّ ان شيئاً من هذا لم ينفّذ بشهادة الوزير ابو فاعور.
ان ما يصيب نهر الليطاني ينسحب ايضاً على جميع انهار لبنان، كما اسلفنا، وخصوصاً نهر البردوني، ونهر ابو علي والزهراني، وحتى نهر العاصي، مع نسبة تلوث اقل من غيره.
* * * * * *
كما ان وضع المالية العامة والخوف على العملة الوطنية، يتطلبان تدابير استثنائية واهتماماً وطنياً يطول جميع الاحزاب والقيادات، فان صحة الانسان في لبنان، يجب ان تأتي ايضاً في طليعة اهتمام ما يسمّى بالمسؤولين، قبل ان يتحوّل لبنان الى مقبرة كبيرة.