IMLebanon

حتى لا تفقد الانتخابات البلدية دورها ومعانيها..؟!

ينشغل لبنان، من أقصى شماله الى أقصى جنوبه وجبله وبقاعه، الى العاصمة بيروت، بالاعداد، وعلى نحو غير مسبوق بهذا القدر، بالانتخابات البلدية والاختيارية المقرر ان تبدأ في الثامن من ايار المقبل.. وذلك وسط سيناريوات تتحدث عن احتمال تعرض هذه الانتخابات لطارئ ما قد يدفع الى تأجيلها، وذلك خلافاً لتأكيدات المسؤولين والمعنيين واقطاب سياسيين مؤثرين لجهة ان هذه الانتخابات ماضية في طريقها ووفق البرنامج الزمني الموضوع.

ليس من شك في ان لهذه الانتخابات أهمية حيوية، فعدا كونها المشهد المتبقي من «الديموقراطية اللبنانية» المزعومة المقبوض عليها من نظام طائفي – مذهبي ومناطقي، فإنها باب لا يمكن تجاهله، باتجاه الانماء المناطقي الذي بات دوره أسير معطيات تحرم الارياف والمناطف من أبسط الحقوق.. ليس بسبب الواقع الاستثنائي الذي يعيشه لبنان بضوء الأزمات الدامية في بعض دول الجوار، بل انسجاماً مع السياسات التقليدية المعتمدة، وتقوم على قاعدة، «من معه يعطى ويزاد، ومن ليس معه يؤخذ منه..».

والواضح، ان الانتخابات البلدية والاختيارية، هذه المرة، تحظى برعاية مركزية من القوى السياسية التي تعمل على توسيع دائرة نفوذها وتأثيرها، تحضيراً لاستحقاقات لاحقة، خصوصاً الانتخابات النيابية، سواء عبر قانون الانتخابات الموعود مجلس النواب، أم أعيد مصل الحياة الى قانون الستين الذي فصل على مقاس قوى معينة للحصول على غالبية نيابية، توظف في القرارات الكبيرة.

اللافت ان «التوافقات» المحكي عنها، بين أقطاب ومرجعيات سياسية، من نسيج طائفي او مذهبي واحد، تشكل طعنة في صميم هذه الانتخابات، وتعطل خيار الجمهور اللبناني.. وهي توافقات تقوم على قاعدة «اقتسام قالب الجبنة» والمحاصصة ليس من باب توفير أجواء هادئة لولادة مجالس بلدية جديدة، بل من أجل توفير ما يمكن ان تستهلكه هذه الانتخابات من جيوب «الزعامات» الساعية لتوسيع رقعة نفوذها و»شعبيتها».. في بلد فاحت منه روائح الفساد وفضائحه التي لم توفر قطاعاً او مؤسسة إلا وخرقته وهي، (أي هذه الزعامات) في طليعة المتهمين..؟!

في البلديات الكبرى، تمضي سياسة استيلاد المجالس البلدية من قبل اجراء الانتخابات، التي يمكن ان لا يكون لها من دواعٍ اذا نجحت الصفقات، فيكون الناس أمام أمر واقع.. ويتعطل مسار الخيارات لصالح المجالس المفروضة فرضاً، وجرى التسويق لها على أنها تحظى بمباركات شعبية..

في قناعة كثيرين، أنه ليس غريباً على أي مراقب لخريطة توزع القوى السياسية (الطائفية والمذهبية) في لبنان، ما تدل عليه هذه التطورات.. واستحقاق الانتخابات البلدية، جاء ليستنسخ في العديد من جوانبه ما حصل في الانتخابات النيابية، والتمديدين لمجلس النواب، بحجة «الظروف الاستثنائية»؟! وهي نتائج، على ما دلت التطورات لن تحقق الاصلاح المنشود ولن توفر مناخات لتحقيق الوعود التي تنهمر كمطر الشتاء في عز الصيف.. وجل ما يريده «أولياء الأمور» وقد امتطوا صهوة النيابة والوزارة والبلديات ان يحافظوا على مراكز النفوذ والتأثير.

ليس من شك في أن أكبر المتضررين في هذه المعادلات هم الذين يراهنون على التغيير نحو الأفضل، والذين لم يستطيعوا ان يبلوروا مشاريع تفرض نفسها على مساحات خريطة التوزعات السياسية اللبنانية الممسوكة من قبل تيارات وقوى وأحزاب و»زعامات» جل همها الخطاب الطائفي او المذهبي، وما يعكسه ذلك من اصطفافات بالغة التعقيد والخطورة، من دون ان يغيب عن البال ما بدأ يسرب من سيناريوات عن اعادة رسم خريطة المنطقة على خلفيات طائفية – مذهبية – عرقية الخ..

ومن المفارقات اللافتة، ان غالبية الافرقاء ماضون في سياسة تعطيل انجاز الاستحقاقات، ومن بينها قانون جديد للانتخابات النيابية، ينام في ادراج اللجان النيابية المعنية.. والكل غير متفق مع الكل، على هوية هذا القانون، أيكون استجابة لرغبة غالبية اللبنانيين الساحقة باعتماد النسبية ولبنان دائرة انتخابية واحدة تعزز الانتماء الوطني والخيارات الوطنية العابرة لحدود الطوائف والمذاهب والمناطق، أم يعتمد المناصفة بين «النسبية» و«الأكثرية»، أم يعود الى قانون الستين، الذي وصف بـ«الموقت» عند انجازه، آملاً في «مؤتمر وطني لالغاء الطائفية السياسية» حسبما نص «اتفاق الطائف» ولم تتوفر شروطه بعد.. فصار «الموقت دائماً وأبدياً»؟!

من هنا تكتسب الانتخابات البلدية أهمية بالغة، اذا ما تحررت من قبضة «رجالات السياسة وزعاماتها» كونها تكرس النموذج المطلوب تعميمه، وكونها توفر معبراً صادقاً لخيارات الناس، بعيداً عن الطوائف والمذاهب التي شكلت، ولاتزال، رافعة لمشاريع الحروب الداخلية، وبيئة حاضنة للإهمال والفقر والحرمان المتنامي في غالبية المناطق اللبنانية..