قد نكون مع الايام الفاصلة عن نهاية السنة الحالية امام ظاهرة تصويب لمصطلحات لغوية – اعلامية كانت حتى البارحة تشكل علامات المواجهات الساخنة او الباردة بين افرقاء الصراع اللبنانيين، فإذا بالزمن الميلادي الطالع علينا يهديهم سواء السبيل. لم يعد ثمة أزمة حوار فالجميع مقبلون ومنخرطون ومتحمسون لحوارات ثنائية او ثلاثية بالمفرق او بالجملة. لم يعد هناك من يرفع بطاقات حمراء وشروطا تعجيزية بل حل الكلام المهدئ مكان الحروب الباردة التي سادت البلاد منذ ٢٥ آذار الماضي تاريخ بداية ازمة الفراغ الرئاسي. بموازاة حوار تمهيدي اريد له ان يكون عيدية من تيار المستقبل و”حزب الله” برعاية عرابه الداخلي الرئيس نبيه بري وصديقه الزعيم الجنبلاطي تعلو من معراب والرابية الاستعدادات لحوار مواز لا نزال جميعاً نتساءل لماذا تأخر الى هذا الوقت وما الذي ازال من طريقه فجأة تراكم الجليد وحتى عداوات الأخوة المتنافسين على سدة بعبدا؟ ولان الشيء بالشيء يذكر ترانا أيضاً نفرح ونهلل لكل جمعة وطنية متعددة الطائفة والولاء والانتماء على غرار زيارة رئيس الكتائب للجنوب الحدودي برعاية دافئة من ثنائي النفوذ الشيعي هناك.
مع ذلك لا نجرؤ على إعلاء الآمال عالياً ونتوجس من كلام حوار من دون محتوى جاد وجدي خشية ان نحصل على صورة ولا نعثر فيها او عبرها او خلفها على مضمون بمستوى ما يجب ان يكون او ما يفضي اليه هذا العرض المحبب. كنا لنكون اسعد حالاً لو اننا فوجئنا مثلاً بمثل ما هبط على العالم من أنباء المصالحة التاريخية بين الولايات المتحدة وكوبا بعد أكثر من نصف قرن من تركة الحرب الباردة بوساطة خاصة، ودفع استثنائي من البابا الكاريسماتي فرنسيس الاول. ولعلنا حسدنا كوبا وأميركا لأن البابا أولاهما اولوية تفوق لبنان لدى الفاتيكان. لا نغفل اننا كنا ولا نزال نتوسم تدخل الكرسي الرسولي كآخر خرطوشة لانقاذ الرئاسة اللبنانية الهائمة وسط أنانيات أهلها المباشرين وقصورهم عن ملء الحكم الضائع وتناتش المصالح الاقليمية واستهتارها بخطورة فراغ الرئاسة المسيحية في لبنان في عصر تفجر الاصوليات المذهبية. وربما يزيد الأسى اللبناني، ان الفاتيكان معذور ما دام وجد نفسه قادراً على إقناع باراك اوباما وراوول كاسترو بما عجز عن فعله في لبنان او بما يمكن ان يفعله مثلاً بين ميشال عون وسمير جعجع! هناك تستوي التجربة وتنضج الى حدود الاقتناع بتقادم واهتراء عصر العداوة البائد الموروث من الحرب الباردة. وهنا لا جدوى من انتظار نضج او اقتناع بان المسيحيين باتوا أشد ما يكونون في حاجة الى نفض كل الموروث. مع ذلك سنعتب على البابا الاسطوري لأننا لا نملك سوى غضبنا فقط!