كنا نظن أنّ أميركا هي وحدها الكاذبة في العالم، وهي الدولة الأكبر، ذلك اننا إذا أردنا أن نعود الى التاريخ الأميركي في التعامل مع سائر الدول لاكتشفنا الدلائل العديدة على الكذب الاميركي.
وعلى سبيل المثال لا الحصر نذكر الاسلوب الذي تعاملت به واشنطن مع شاه إيران عندما كان لا يزال في الحكم وقد قامت تحركات في الشارع ضدّه، فأعلنت واشنطن رسمياً أنه، أي الشاه، أبلغها بقراره ترك الحكم ومغادرة البلاد… فأعلن الشاه بدوره أنه لم يبلغها شيئاً، بهذا المقدار من الكذب والغدر تعاملت أميركا مع أبرز حلفائها في العالم.
وفي القضية السورية، منذ بداية الثورة، صدرت عشرات بل مئات التصريحات والمواقف الاميركية مفادها أنّ النظام لن يستمر، حتى خيّل للمراقبين مراراً وتكراراً أنّ المسألة لن تستغرق أكثر من أيام معدودة…
جاءت البواخر الاميركية الى المياه الإقليمية السورية في البحر الابيض المتوسط، وحلقت الطائرات الاميركية المقاتلة في الأجواء السورية، وتشكل الإئتلاف الدولي من مجموعة من الدول القادرة بقيادة الولايات المتحدة… وجرى تدمير سوريا… ولكن رأس النظام أبقوا عليه في كرسي الرئاسة.
إنّ من يظن ولو للحظة واحدة أنّ الروس جاءوا الى المنطقة لإنقاذ النظام السوري فهو واهم واهم واهم… فالقيصر بوتين جاء الى سوريا بعدما خسر مصر (إثر كامب دايڤيد) وخسر ليبيا والعراق… فجاء ليجد موطئ قدم له في المنطقة.
لقد جاء الروسي بعدما عقد قائد «لواء العباس» في الحرس الثوري الايراني اللواء قاسم سليماني اتفاقيات معه حول شراء كميات من السلاح…
جاء الروسي ليبيع السلاح خصوصاً انه وجد فرصة سانحة في سوريا لتعريف العالم على أسلحته ولتجريبها واختبارها في القتال مثل الصاروخ S400 بعدما بات صاروخ «سام 6» «بضاعة بائدة»، وتعرفنا على طائرة «السوخوي 25» المقاتلة وهي تجوب الأجواء السورية وتقتل وتدمّر.
والروس الذين أرسلوا 50 ألف ضابط وجندي الى سوريا لم يفعلوا ذلك إكراماً لسواد عيون النظام… وأيضاً لم يقيموا قاعدتين عسكريتين (البحرية في طرطوس والجوية في حميميم) من أجل النظام… إنما فعلوا ذلك كله من أجل مصالحهم في عملية تجارية موصوفة، وفي مجال التجارة بالسلاح والاستثمار في سوريا، طبعاً ستبدأ، اليوم، المنافسات الحادة والخلافات الشديدة على مشروع إعادة إعمار سوريا… وسيكون صراع بين الروسي وبين الاميركي والغربي عموماً والاوروبي خصوصاً على مقدار ما سيحصل عليه كل طرف من حصة في إعادة الإعمار عندما يحين أوان الإعمار.
إنّ هذا الوضع ليس له من ترجمة سوى أنّ الدول العظمى قادرة على احتلال أي دولة في العالم واستغلال أي دولة وتقديم المصالح الذاتية على مصالح الدول والشعوب المغلوبة على أمرها.
ولكن… المهم البقاء! يمكن الاحتلال، ويمكن الغزو… ولكن ليتذكر الروسي كيف طلعت إسرائيل من لبنان! وهذا مثال واحد على أمثلة لا تحصى في العالم قد يكون أبرزها بالنسبة الى «القيصر» كيف خرجت روسيا الاتحاد السوڤياتي العظيم من أفغانستان… وأيضاً حادثة دير الزور بدأت الأخبار بِـ300 قتيل فقيل 5 ثم 10 ثم بالعشرات… المهم أنّ القوة، مهما طغت وتجبّرت فلن تكون الحل… وقادة الدول الكبار مهما طغوا وتجبّروا وكذبوا فسيأتي يوم (مهما طال) يدفعون فيه الثمن.
عوني الكعكي