وأخيراً أعلن الدكتور سمير جعجع، من معراب، «تأييد ترشيح العماد ميشال عون» لرئاسة الجمهورية. وهذا قرار تاريخي نظراً الى عوامل عديدة أبرزها إثنان وكل منهما يحتاج الى بحث مستفيض. أولهما الوضع المسيحي عموماً المتردِّي، والثاني: ارتباطاً بما كان يقوله قياديون وسياسيون كبار ومرجعيات رفيعة: ليتفق عون وجعجع ونحن نؤيد ما يقررانه… إضافة الى أن النائب سليمان فرنجية نفسه قال انه في هكذا حال سيكون داعماً لعون. طبعاً كان هذا القول ينطلق من رهان على أن الإتفاق مستحيل بين الزعيمين. وكتبنا غير مرة هنا رأينا الشخصي أنهم لو تمّ هذا الإتفاق فلن يحظى بتأييد الذين كانوا يقولون إنهم سيدعمونه.
وفي مختلف الظروف فإنّ دون وصول الجنرال الى الرئاسة صعوبات وعراقيل وربما تبادل أدوار بين من يؤيد ومن يعارض، ومن يحضر ومن يقاطع ويعرقل النصاب… فهل يكون دعاة المقاطعة اصبحوا دعاة حضور وهل يكون المناضلون في سبيل الحضور الى مجلس النواب قد أصبحوا دعاة مقاطعة.
في أي حال ومنذ اللحظة التي دُعي فيها رجال الإعلام الى معراب لحدث ما متوقع عند الساعة السادسة من مساء أمس، أي قبل 24 ساعة من هذا الموعد، ولبنان السياسي والشعبي والإعلامي، وأيضاً الأوساط الديبلوماسية العربية والأجنبية… لبنان هذا، كله، كان منشغلاً بالحدث الذي ظل خاضعاً إلى الإستنتاجات والتقديرات والإجتهادات والتنجيم والتبصير كذلك.
استفاق اللبنانيون على الإذاعات والتلفزيونات تخوض في التكهنات، والأسئلة المضنية التي لم يعد لها معنى اليوم، إنما نسجلها من باب توصيف الحال التي عاشها اللبنانيون قبيل الحدث وأبرزها:
ماذا سيقول الحكيم؟
وقال الحكيم بالفم المليان، وسقطت الأسئلة والتساؤلات والتخمينات كلها، وبتنا أمام أمر واقع جديد خلاصته: خصمان لدودان يتوافقان رئاسياً، كما سبقهما الى ذلك الخصمان اللدودان الرئيس سعد الحريري والنائب سليمان فرنجية.
وثمة سؤال كبير متفرّع:
1 – ماذا سيكون موقف الرئيس نبيه بري؟ وهل يبقى يؤيد فرنجية إذا كان حزب اللّه سيؤيد عملياً عون؟!
2 – ماذا سيكون موقف وليد جنبلاط الذي أيد فرنجية من دون أن يسحب مرشحه هنري حلو؟!
3 – ماذا سيكون موقف المسيحيين «المستقلين» خصوصاً خارج دوائر بيروت الإنتخابية؟
إلاّ أن السؤال الأكبر: ماذا سيكون موقف حزب اللّه الفعلي؟ علماً أن عون وضع قيادة الحزب في الخطوات كلها منذ التفاوض الأول مع جعجع.
بداية حظي قرار معراب بتأييد بكركي التي حرص عون وجعجع على وضعها في الوقائع كاملة من الألف الى الياء وختمها عون بزيارة البطريرك الراعي الذي رحب بالخطوة بحرارة، ذلك قبيل توجه الجنرال الى معراب وصدور إعلانها رسمياً.
وماذا سيترتب على مثل هذا الإعلان في صفوف القاعدتين الحزبيتين اللتين قطعتا شوطاً كبيراً من التنسيق في ما بينهما؟
وهل صحيح أن نواة اللوائح الإنتخابية البلدية «المشتركة» بين التيار والقوات باتت معلنة حتى بالأسماء في بلدات ومدن عديدة من بيروت الى الجنوب فالبقاع فالشمال فعكار؟ وهذا في إطار التفاهم بين الجانبين منذ «إعلان النيات» الأخير بينهما.
ثم هل كانت زيارة الرئيس فؤاد السنيورة أمس الى بكركي مقررة منذ مدة أو إنها جاءت إنطلاقاً من اللحظة المعرابية؟ وهل جاء كلام الرئيس السنيورة في الصرح مصادفة أو انه كان هادفاً خصوصاً عندما دعا الى عدم الإلتزام بمواقف يتعذر الرجوع عنها؟ وهل كانت هذه الملاحظة برسم الدكتور سمير جعجع أو إنها ذات طابع عام؟!
لم يجتمع إثنان، في لبنان، أمس، إلاّ كان السؤال الآتي ثالثهما: شو بدّو يعمل الحكيم الليلة (ليلة أمس)؟
وشو بدّو يقول؟
ولم يتخاطب إثنان هاتفياً أو عبر وسائل التواصل الإلكترونية إلاّ إستهلا حديثهما بالسؤالين أعلاه.
وبعيداً عن السياسة في موقف الدكتور سمير جعجع، فلم يسبق أن كان لبنان منشغلاً في حديث قبل حدوثه كما شُغل اللبنانيون أمس.
إنه الحدث الذي هو على توقيت الحكيم.