لا اعرف ما هو اصل او جذر كلمة «بلطجي» التي اطلقها وزير الخارجية جبران باسيل بحقّ رئيس مجلس النواب، رئيس حركة امل الشيعية، لكنها بالتأكيد ليست عربية، واغلب الظن انها تركية، وقد تكون لا تحمل المعنى المسيء ذاته الذي عناه باسيل، ومعلوماتي ان هناك عائلة بيروتية كريمة تحمل اسم «بلطجي» واذكر ان احد ابنائها كان رياضياً متفوقاً في الستينات بلعبة كرة السلة، ولكن بما ان اللبنانيين عموماً والمصريين خصوصاً لا يأخذون المعنى الحسن من صفة «بلطجي»، كان على الوزير باسيل الاّ يستخدم هذه الصفة ليتناول بها الرئيس برّي، ان كان في العلن او ضمن اربعة جدران، وكان مفيداً جداً، من اجل مصلحة لبنان واستقراره ان يقدّم اعتذاراً علنياً تلافياً لردّات فعل سوف يقدم عليها جمهور حركة أمل، الذي يضع برّي في منزلة عالية من الاحترام، مهما كانت مآخذه على الرئيس بري في طريقة ادارته عمل مجلس النواب، وكان بامكانه اثارة هذه المآخذ في العلن، وهذا حق من حقوقه كوزير وكرئيس لحزب كبير.
في المقابل، لا يمكن لأحد من اللبنانيين على اختلاف مشاربهم السياسية، وانتماءاتهم الطائفية والمذهبية، ان يقبلوا او أن يرضوا بما حصل يوم الاثنين من قطع طرقات واحراق دواليب ونفايات، ومحاولة الوصول الى المركز الرئيس للتيار الوطني الحر، بحيث كان يمكن ان «يفلت الملقّ» ويتحوّل الصراع السياسي الى مواجهة طائفية يعرف الجميع عواقبها الوخيمة، كما ان انحراف الخطاب المستاء من كلام باسيل، عن المعقول والمقبول، وتصويبه باتجاه رئيس البلاد واتهامه بالعمالة لاسرائيل، وتوجيه الشتائم البذيئة لسيدات محترمات، قد اضعفت من التعاطف الشعبي مع برّي، وحالت دون اقدام باسيل على الاعتذار العلني وانهاء المشكلة، بدلاً من الوصول الى حالة تبشّر بها حركة امل، بأن «لا حكومة ولا عهد من دون اعتذار»، وان هناك خطوات اخرى متشددة ستظهر تباعاً.
* * * *
هذا الصدام، المؤسف بين برّي وباسيل، وامتداده الى الرئيس العماد ميشال عون، يعيدني بالذاكرة الى الثمانينات حين قيل ان برّي لم يكن مؤيداً لتعيين الجنرال عون قائداً للجيش في حكومة الرئيس سليم الحص، كما انه وضع اللواء السادس بتصرّف اميل لحود عندما عيّن قائداً للجيش في مواجهة عون وحكومته العسكرية، وكان اللواء السادس رأس الحربة في جيش لحود عند اسقاط عون على يد القوات السورية، ما يعني ان الكيمياء بين الرجلين كانت مفقودة منذ زمن طويل وما زالت، كما عادت بي الذاكرة الى الستينات من القرن الماضي، عندما كانت الصدامات بين المسؤولين والقيادات بالغة القسوة في استعمال مفردات الاتهامات المتبادلة بينهم، وكانت علنية وعلى صفحات الجرائد والمجّلات، ولكنها لم تنزلق يوماً الى الشارع كما حصل يوم الاثنين، بما يجعلني اعتقد ان الرائحة الطائفية لم تكن بعيدة عن الاحداث المؤسفة، على عكس ما يقولون، خصوصاً ان ملاحظات عديدة سابقة طالت تصرّف وزراء حركة امل في الحكومات المتتالية، واتهموا بالفئيية الطائفية ضد موظفين مسيحيين، وبحرمان مناطقهم من مشاريع وزاراتهم.
غير صحيّ، الاختباء وراء اصابعنا، وعدم الاعتراف بأن هناك «تقيّة» سياسية وطائفية كانت تمارس في الباطن والظلّ، وتتكشف مع الاحداث والخلافات، واصبح من الواجب الاعتراف بها والعمل على وأدها، وفي حال التعذّر، التفتيش عن نظام جديد يحدّ من مساوىء الطائفية والمذهبية التي يمكن ان تدمّر الدولة والوطن.