IMLebanon

الأحداث تتأزم وتنفرج من اتفاق الى اتفاق !!

الأحداث تتأزم وتنفرج من اتفاق الى اتفاق !!

جمهورية السفور مبلبلة وضائعة

والاحتمالات تغطي التباينات والخلافات

بادر الوزير الراحل خاتشيك بابكيان، زميله الراحل نديم سالم، بألا يخاف من الهلع على لبنان، وإن انتاب معظم القوى فيه، لأن التباينات، إطلالات على المستقبل، تبدد عنه الغموض، وتضفي عليه الرغبة في الوضوح.

كان الوزير بابكيان يتشاوف على سواه، بأنه بليغ في اللغة العربية، وفارس من فرسان البلاغة. الا أن وزير الأشغال العامة ونائب جزين، بادره بدعابة أو بسؤال ينطوي على نوع من الدعابة لا على الفصاحة، أخبره بأن الرئيس الياس الهراوي، وهو أول رئيس للبنان بعد اتفاق الطائف، أخبره في العام ١٩٨٢، أن وزير العدل يتصل بزملائه، اذا ما لحنوا في أقوالهم، والتلحين عنده ليس عيباً موسيقياً، أو تعبيراً عن الاشادة، فهل هذا صحيح، فرد الوزير بابكيان بأن ما قاله صحيح، وانه، عادة، كان يتحدث الى المدير العام للاذاعة اللبنانية الرسمية، اذا ما لحنت المذيعة أو أخطأ المذيع، وهو يتلو النشرة الاخبارية.

الا ان الوزير سالم أشاد بحسن إلمامه باللغة العربية، لكنه صارحه بأن ما يفعله لا يستمرئه الاذاعيون.

الا ان الرئيس حسين الحسيني، أعاد إحياء هذه المعلومات، لمناسبة ما ينتاب الجمهورية من عيوب، وتحفل به أخبارها من أزمات واعتلالات، خصوصاً بعد انقضاء قرابة عامين، ولبنان باقٍ من دون رئيس جمهورية، على رأس المؤسسات العامة.

في الأسبوع الفائت، توقّع الرئيس سعد الحريري، أن يكون في لبنان رئيس جديد بعد شهر أو شهرين، لكن لا شيء في الأفق يوحي بذلك، لأن الصراع السياسي القائم لا يوحي بانفراج سياسي قريب.

ويوم السبت، أي قبل ٤٨ ساعة، اجتمع مجلس الوزراء لمدة ٨ ساعات، وناقض نفسه ٤٨ مرة، فقد اتخذ قرارات متباينة حيناً، وغير ثابتة أحياناً. فقد قرر ترحيل النفايات الى الخارج، وأوكل الى شركة بريطانية نقلها الى روسيا، ثم تنصل الاتحاد الروسي من استقبال نفايات لبنان.

والحكومة قررت العودة الى المطامر، وجثمت على صدرها توجهات المحارق، ولا أحد يعرف كيف ستمر القرارات الجديدة، لأن الحكومة قررت أيضاً استنساب مطامر وحلول لكل منطقة.

كان الأستاذ وليد جنبلاط في باريس مجتمعاً الى الرئيس الفرنسي هولاند، عندما أعلن النائب ارسلان، أن حل مشكلة كوستا برافا ستكون بالاتفاق مع الزعيم التقدمي والوزيرين أكرم شهيب ووائل أبو فاعور.

الا ان الحكومة تفادت استقالة رئيسها تمام سلام، واتفقت على حل وافق عليه ٢٤ وزيراً، بعد جدال وحوار ومناقشات استمرت ثماني ساعات.

لا أحد يفهم حتى الآن، على ماذا استند الرئيس سعد الحريري زعيم تيار المستقبل ليبني توقعاته الرئاسية. صحيح أنه قال إنه حاور الرئيس العماد ميشال عون في باريس، لكن ذلك الحوار مات في المهد، لأن زعيم كتلة التغيير والاصلاح، لم يتفق عليه الباقون من أعضاء ١٤ آذار. الا انه أقنعهم بتأييد ترشيح النائب سليمان فرنجيه، وهو والجنرال من أركان ٨ آذار ولا يزال يقاطع الجلسات النيابية، طالما ان حزب الله يقاطعها.

سؤال أساسي يطرح نفسه: لا العماد عون كان من روّاد الطائف، لكنه سار فيه بعد إقراره في مجلس النواب. ولا حزب الله من المعجبين به، وإن شدد زعيمه السيد حسن نصرالله على تأييده، ولو كان من روّاد معارضيه.

تحالفات وتفاهمات

وهكذا تبقى الجمهورية، وهي كما يقول الرئيس نبيه بري، مصدر السلطات، أو كما يرى الرئيس حسين الحسيني رئيس السلطات كلها وقائدها الأساسي نحو السلام.

ثمة طرح جديد يطفو على وجه الحياة العامة، وهو تعبير دقيق وصعب، يدعو الى تحالفات طائفية وتفاهمات مذهبية، بغية تجاوز الحروب القائمة في ادراج القوى العاملة لإذكاء الحياة السياسية، وتفعيل المفاهيم الفكرية في طول البلاد وعرضها.

كانوا سابقاً يغرقون في بحيرات طائفية، وأصبحوا اليوم يفكرون في السباحة المحصورة في تجمعات اقليمية.

في بداية عصر الطائف وما بعده، نشأت وحدات مجزأة حيناً، وموحدة أحياناً، فقام الحلف الرباعي بين الطوائف السنية والشيعية والمارونية والأرثوذكسية، ثم انهارت بحكم التباينات الحادة بين الطائفتين الشيعية والسنية، ثم نشأت تحالفات ثنائية داخل الطائفة الواحدة، فقامت وحدة بين حزب الله وحركة أمل داخل الطائفة الشيعية، وبين التيار الوطني الحر وحزب القوات اللبنانية، وعمد تيار المستقبل الى إجهاض تأييد بكركي للمشروع الأرثوذكسي ل الاصلاح الانتخابي، بعد تعاطف معه من قبل بعض القوى المارونية. الا ان الرئيس سعد الحريري يدعو الآن الى تحالف واسع من معظم الطوائف، ومن السنّة والشيعة أولاً، انطلاقاً من الاتفاق على رئيس جديد للجمهورية، وبصورة خاصة على الرئيس سليمان فرنجيه. الا انه برزت أخيرة تطلعات جديدة للعودة الى انتخاب رئيس جمهورية حيادي أو مقبول من القوى الأربع، وليس محصوراً بالمرشحين الأربعة الكبار: امين الجميل، ميشال عون، سمير جعجع وسليمان فرنجيه.

هل تصح مع سعاة الحل فكرة اللجوء الى مرشح ثالث يختاره اللبنانيون في مطلع الربيع من بين الوزير والنائب السابق جان عبيد أو حاكم مصرف لبنان؟

ويبدو في الأفق مسعى يقوده الرئيس نبيه بري ويؤيده الأستاذ وليد جنبلاط أم تبقى البلاد أسيرة حرب النفايات، بعدما كانت قبل قرابة العام في حوارات صعبة بين حزب الكتلة الوطنية بزعامة الرئيس اميل اده، ومن ثم بقيادة نجليه العميد ريمون اده والوزير بيار اده، وبين الكتلة الدستورية بزعامة الرئيس الشيخ بشارة خليل الخوري.

الراجح، حتى الآن، أن الرئيس سعد الحريري نجح في تجزئة ٨ آذار، من خلال التباين في المواقف، حول تأييد الطائف ومعارضته بين العماد عون والنائب فرنجيه، وإضعاف الوجود المسيحي في الدولة، حيث يعمد وزراء ينتمي معظمهم الى الطائفة الشيعية الى ملء الوظائف الشاغرة، والتي كانت أصلاً للمسيحيين، بعناصر اسلامية، وهذا اختلال أساسي في تكوين الدولة.

الا ان طرح الرئيس سعد الحريري للمناصفة بين المسيحيين والمسلمين في الوظائف الأساسية وفي البلديات الكبرى، ولا سيما بلدية بيروت، فرصة أساسية لعودة الانصاف الى المواقع الكبرى في الدولة، وفرصة ثانية لعدم انهيار السلطة، وهي تواجه الأزمات المادية في المرافق العامة والأساسية في البلاد.

ويقول العارفون بالأسرار، إن هناك أملاً كبيراً في التأكيد على الاستقرار السياسي من خلال وجوه كبرى في السلطة تعمل على الغاء الأخطاء والمسارعة الى التصحيح.

الا ان ما خرّبته اسرائيل، سارع الى اصلاحه الرئيس الفرنسي فرنسوا ميتران بعد الانباء عن وقوع مجزرة صبرا وشاتيلا وسقوط عدد من القتلى قدر الصليب الاحمر عددهم بين ٧٠٠ و٨٠٠ قتيل.

ما إن شاع خبر المجزرة في الاعلام العالمي، حتى أعلن الرئيس الفرنسي فرنسوا ميتران في ١٨ أيلول عودة القوات الفرنسية الى لبنان ضمن قوة متعددة الجنسيات. كذلك أعلن الرئيس الأميركي رونالد ريغان يوم ٢٠ أيلول عودة قوات المارينز الى بيروت في اليوم التالي.

عندما انتُخب أمين الجميل في ٢١ أيلول رئيساً للجمهورية اللبنانية كان يتواجد على أرض الوطن أحد عشر جيشاً أجنبياً. وصل الى قصر بعبدا محاصراً بالاسرائيليين والسوريين والقوات المتعددة الجنسيات ورجال المليشيات المتنوعة اضافة الى الغضب العارم الذي خلفته مجزرتا صبرا وشاتيلا في الشارع اللبناني والمجتمع السني بشكل خاص… اضافة الى سخط المحيط العربي الأوسع.

فكيف كان له أن يحكم؟ وأي وطن قُدّر له أن يترأس؟

حدثت بعد ذلك، تطورات دولية، تعهدت خلالها اسرائيل بالانسحاب من الأراضي اللبنانية، شرط أن يتزامن انسحابها مع انسحاب الجيش السوري الأمر الذي أغضب الرئيس السوري حافظ الأسد وراح يتهم الحكم الجديد بالإذعان لاسرائيل.

طوال أشهر واكب السوريون سير المفاوضات دون الاعتراض عليها، على أمل أن تقود بالنهاية الى اتفاق ينظم عملية انسحاب الجيش الاسرائيلي من لبنان. فكانت النتيجة توقيع اتفاق سلام بين البلدين يشبه اتفاقية كامب دايفد ويقضي أيضاً بخروجهم السوريين من لبنان. وهذا ما كان يرفضه الرئيس حافظ الأسد الذي يعتبر أننا شعب واحد في بلدين.

ورغم أن مجلس النواب اللبناني صادق في ١٤ حزيران ١٩٨٣ على اتفاق ١٧ أيار بأكثرية ٦٥ صوتاً ولم يصوّت ضده الا نائبان زاهر الخطيب ونجاح واكيم وامتنع أربعة نواب عن التصويت، رفض الرئيس أمين الجميل أن يوقعه بناء على طلب الرئيس السوري حافظ الأسد.

وأثار الاتفاق موجة عارمة من الرفض فوصفه رئيس حركة أمل نبيه بري بأنه اتفاق الذل والعار ودعا الجيش اللبناني للتمرد على قيادته. فاندلعت في ١٩ أيار حرب الجبل التي انتهت في ١٩ أيلول بسيطرة القوى الجنبلاطية على الشوف وعاليه وما تبع ذلك من مجازر. وحصلت انتفاضة ٦ شباط ١٩٨٤ التي أدت الى سيطرة الفريق الرافض لاتفاق ١٧ أيار على بيروت الغربية بمساندة اللواء السادس في الجيش اللبناني الذي تمرد على أوامر القيادة في اليرزة.

لعل أخطر ما حصل خلال تلك الأشهر العشرة الحامية التي فصلت بين بدء المفاوضات والغاء اتفاق ١٧ أيار وقع في مطلع ايلول ١٩٨٣ حين صدر أمر مفاجئ الى الجيش الاسرائيلي بالانسحاب من منطقتي الشوف وعاليه في محاولة للضغط على الرئيس أمين الجميل وحمله على توقيع الاتفاق. كانت نتيجة هذا الانسحاب كارثية على المسيحيين في الجبل. هاجمت قوات من المليشيات الدرزية مواقع القوات اللبنانية وانقضّت على القرى المسيحية فدمرت ٦٢ قرية. وهجّرت أهلها. وسقط أكثر من ١٥٠٠ ضحية بريئة قُتلوا بدم بارد بالفؤوس والسكاكين تماماً كما حصل في مجازر عام ١٨٦٠.

تهجّر المسيحيون من قراهم والتجأ من بقي على قيد الحياة الى بلدة دير القمر التي حاصرتها المليشيات الدرزية طوال أربعة أشهر، ولم تفكّ عنها الحصار الا بعد مفاوضات دولية توصلت الى اتفاق بفتح ممر آمن خرجت منه عناصر القوات اللبنانية بقيادة سمير جعجع مع آلاف المهجرين من أبناء الشوف وعاليه وصلوا منهكين الى الاشرفية والمتن وكسروان… وتسببت هذه العملية بشرخ وطني عميق بقيت جراحه تنزف طوال ثلاثين سنة ولم تندمل بالكامل حتى كتابة هذه السطور.

وانسحبت اسرائيل في أواخر نيسان ١٩٨٥ من الجبل، تاركة الأوضاع عرضة لمجازر رهيبة دفع ثمنها المسيحيون.

بين تهجير المسيحيين من الجبل في أيلول ١٩٨٣ وتهجيرهم من شرق صيدا في آذار ١٩٨٥ كان الحدث السياسي الأهم انعقاد مؤتمر وطني في سويسرا في محاولة للتوصل الى اصلاحات سياسية تعيد الاستقرار الى البلاد.

في مرحلة أولى انعقد مؤتمر الحوار الوطني في جنيف من ٣ تشرين الأول وحتى الرابع من تشرين الثاني ١٩٨٣ من دون أن يتوصل الى أية نتيجة.

بعد أقل من خمسة أشهر عاد المؤتمرون لاستئناف المفاوضات فالتقوا في مدينة لوزان السويسرية بين ١٢ و٢٠ آذار ١٩٨٤ برعاية المملكة العربية السعودية وسوريا وحضورهما كمراقبين. لكن المتحاورين وصلوا الى طريق مسدود. ولم يتفقوا على أي بند من الاصلاحات السياسية.

عقب هذه التطورات، تم التوافق على اتفاق في ٢٨ كانون الأول ١٩٨٥، وقعه قادة المليشيات المسيحية والاسلامية تعهدوا خلاله بانهاء الحرب، وحل المليشيات تحت اسم الاتفاق الثلاثي.

وتعهدوا بموجبه بالأمور الآتية:

– بإنهاء الحرب في لبنان وحل المليشيات خلال سنة.

– إلغاء الطائفية السياسية.

– تثبيت المناصفة بين المسيحيين والمسلمين.

– تحقيق توازن بين صلاحيات رئيس الجمهورية ورئيسي مجلسي النواب والوزراء وادخال تعديلات دستورية لمصلحة الأخيرين.

– توقيع معاهدة ثنائية بين لبنان وسوريا تشكل تعبيراً صحيحاً عن التكامل الاستراتيجي بين البلدين.

– إضافة الى بعض البنود الاصلاحية الأخرى.