IMLebanon

أحداث المنطقة تتجاوز لبنان  

هل تقوم دولة كردية مستقلّة في أراضي ما كان يُسمّى العراق الموحّد، أو الجمهورية العراقية التي قامت على أنقاض النظام الملكي الذي انهار في العام 1958؟ الجواب نعم كبيرة بالنسبة إلى كردستان العراق. ما ليس واضحاً حدود هذه الدولة التي بدأت الحرب عليها منذ الآن، خصوصاً في ظلّ الخلافات الدائرة في شأن مستقبل مدينة مهمة مثل كركوك.

عندما يتبيّن بوضوح أن هناك عملية إعادة تشكيل للمنطقة، ليس أمام الأكراد في العراق سوى التمسّك بموعد الاستفتاء على الاستقلال في الخامس والعشرين من الشهر الجاري. مثل هذا الاستفتاء سيكون فرصة لتثبيت حقوقهم أكثر بكثير، كما أنّه سيوفّر مناسبة لإعلان الاستقلال.

بدأت الحرب على كردستان العراق قبل الاستفتاء الذي أكد غير مسؤول كردي كبير، بمن في ذلك هوشيار زيباري وزير الخارجية العراقي السابق، أنّ نتائجه لا تعني إعلان الاستقلال بشكل تلقائي. في النهاية يستطيع الأكراد الانتظار، بل الانتظار طويلاً، لا لشيء سوى لأن الرياح الإقليمية تسير وفق ما يريدونه ويشتهونه وما يطمحون إليه في المدى البعيد في أراضٍ تتجاوز العراق وحدوده الجغرافية.

من بوادر الحرب على كردستان العراق الجهود التي بذلها «حزب الله»، الذي ليس في نهاية المطاف

سوى لواء في «الحرس الثوري» الإيراني، من أجل نقل مقاتلي «داعش» مع عائلاتهم من منطقة الحدود السورية – اللبنانية الى دير الزور.

لم يكتفِ الحزب بمنع الجيش من استكمال انتصاره على «داعش» في عملية «فجر الجرود»، بل حرص أيضاً على تهيئة كل الأجواء والوسائل التي تضمن انتقال هؤلاء إلى دير الزور التي تبدو وجهة المعركة الجديدة مع أكراد سوريا الذين يتحرّكون ويتوسّعون في الشمال السوري وعلى الحدود السورية – العراقية بغطاء جوّي أميركي.

ما يُفترض أن يتفهمّه اللبنانيون وأن يستوعبوه جيّداً هو أن الأحداث في المنطقة تتجاوز لبنان. أن يحفظ لبنان نفسه يبقى إنجازاً في حدّ ذاته. الأمر يتعلّق بدول كبيرة مثل العراق وسوريا لم يعد في الإمكان إعادة اللحمة إليها. الأمر يتعلّق أيضاً بأزمة تمرّ بها تركيا التي لم تعرف في أيّ وقت لا كيف تدير سياستها السورية، ولا كيف تتعاطى مع الأكراد، بما في ذلك أكرادها. أما إيران، وخلافاً لكلّ ما يُقال عن مشروعها التوسّعي الذي توفرت له انطلاقة جديدة بعد انهيار النظام في العراق في العام 2003، فإنّها في مأزق عميق. نعم، إنّها في مأزق عميق حتّى في علاقاتها مع شيعة العراق الذين يكتشفون يوماً بعد يوم أنّهم عرب وليسوا إيرانيين، وأنّ لديهم مصلحة في أن تكون بلادهم على علاقة جيّدة مع محيطها العربي قبل أيّ شيء آخر.

سيكون صعباً على اللبنانيين فهم التعقيدات التي تشهدها المنطقة، ولماذا يلعب «حزب الله» الدور المطلوب منه إيرانياً في ظلّ الحرب على الاستفتاء الكردي. من أجل تبسيط الأمور عليهم، يُفترض بهم الاقتناع أوّلاً بواقع يريدون الهرب منه بشكل مستمرّ. يقول هذا الواقع إن «حزب الله» ليس سوى ميليشيا مذهبية عناصرها لبنانية تعمل في خدمة إيران. هذا على الأقلّ ما يقوله الأمين العام للحزب السيّد حسن نصرالله الذي يعترف علناً بأن كلّ ما لدى الحزب مصدره إيران.

ليس لبنان سوى «ساحة» تستخدمها إيران للترويج لسياستها في المنطقة، وللإساءة لهذه الدولة العربية أو تلك، وللهرب من الأزمة العميقة التي تعاني منها على كلّ المستويات، وهي أزمة مرتبطة أوّلاً وأخيراً بانّها لا تمتلك الوسائل، خصوصاً الاقتصاد القوي، التي تسمح لها بمتابعة هجمتها على كلّ ما هو عربي في المنطقة.

قبل الاستفتاء على استقلال كردستان العراق، التقت قوى عدّة بينها تركيا وإيران على اتخاذ موقف حذر منه خوفاً من امتداد العدوى إلى خارج الحدود العراقية، مع ما يعنيه ذلك من انعكاسات على أكراد تركيا وإيران. من الطبيعي أن تتوجّه الأنظار الى ما يدور في الشمال السوري وإلى استخدام «داعش» في السعي إلى التصدّي للتمدد الكردي المدعوم أميركياً في تلك المنطقة.

يتلهى اللبنانيون بأمورهم الداخلية غير مدركين أن اللعبة في المنطقة كبيرة، بل كبيرة جداً. ما بدأ باحتلال أميركا للعراق وتسليمها البلد على صحن من فضّة إلى إيران كان في العام 2003 زلزالاً لا تزال تفاعلاته تتردد في كلّ الشرق الأوسط والخليج.

ما تفعله الولايات المتحدة حالياً هو التفرّج على ما يدور في المنطقة. تتدخل متى تدعو الحاجة إلى ذلك. منعت قافلة «داعش» من الانتقال من الحدود السورية – اللبنانية الى منطقة قريبة من الحدود السورية – العراقية ثمّ انكفأت. هل تقدم على ما هو أكثر من ذلك؟ لن تقدم على أيّ خطوة ما دام كلّ شيء يسير حسب الخطة المرسومة التي تصبّ في مزيد من الشرذمة بإشراف من إيران وروسيا والنظام السوري «الممانع» الذي أدّى دائماً الدور المطلوب منه إسرائيلياً.

الأكيد أن لا شيء يحدث بالصدفة، بما في ذلك انكشاف العلاقة القائمة بين «حزب الله» والنظام السوري من جهة و«داعش» من جهة أخرى. هناك خدمات متبادلة بين الأطراف الثلاثة. توفّر «داعش» فرصة للنظام السوري ولـ«حزب الله»، ومن خلفه إيران، للادعاء بأنّهم يخوضون حرباً على الإرهاب.

ستستقل كردستان العراق. ليس معروفاً متى ستستقل. المعروف أنّ على بلد صغير مثل لبنان أن يحفظ رأسه وأن يقتنع أهله بأن اللعبة الدائرة في المنطقة أكبر منهم. الأهمّ من ذلك، عليهم استيعاب أنّ هذه مرحلة في غاية الدقّة والخطورة وأنّه لا يمكن من دون أدنى شكّ الاستخفاف بالتنسيق الأميركي – الإسرائيلي على كلّ صعيد وفي غير منطقة، من سوريا إلى العراق، إلى كردستان. أميركا لا تعترض من حيث المبدأ على الاستفتاء الكردي. اعتراضها على توقيته. أما إسرائيل، فليس هناك ما يشير إلى أنّها متضايقة من شيء، خصوصاً من انهماك «حزب الله» في ترتيب انتقال «داعش» إلى الشمال السوري.. ومن تركيز إيران وتركيا على الاستفتاء الكردي وتفاعلاته وتلهيهما بذلك.