احداث لبنانية بين ترامب وريغان حول الشرق الأوسط!
القانون الإنتخابي لب الحوار والنتائج المتوقعة
من صراع يمتد من الاليزيه الى فرساي
الأحداث كثيرة ومثيرة في الولايات المتحدة، لكن، بعد فوز دونالد ترامب بالرئاسة الأميركية، أصبحت المفاجآت تطغى على الأحداث
طبعاً، لم يكن اللبنانيون من هواة فوز منافسته السيدة كلينتون، الا انهم معجبون بصبرها، وبوجهها البشوش.
وعندما خسرت المعركة الرئاسية، خسروا نجمة ولم يربحوا رئيسه.
كان دونالد ترامب منبوذاً، لكن صلافته وبشاعته ورداءة اطلالته على الناس، جعلت المواطنين في كل مكان يتساءلون عما إذا كانت دولة عظمى مثل أميركا، عاجزة عن ترشيح مرشح ثري للفوز بالرئاسة الأميركية.
الا انه عندما اعاد التذكير بسلفه الجمهوري دونالد ريغان، وبانه اختار مرشحاً ضعيفاً في وزارة الخارجية على عكس سلفه الذي اختار الكسندر هيغ لوزارة الخارجية الأميركية، فان التعايش بين ممثل سينمائي أميركي وصل الى الموقع الأول، ونجم مشهود له بدبلوماسيته وذكائه لم يستمر اشهراً لأن الثاني فاجأ رئيسه بأنه عقد العزم على ترشيح نفسه للرئاسة الأولى في المعركة المقبلة، فخرج من البيت الأبيض الأميركي، ليحل مكانه جورج شولتس ذو النزعات المعتدلة في السياسة الدولية.
الا ان العاصفة الكبرى، دارت هذه المرة بين دونالد ترامب والقضاء الأميركي، على الرغم من انه لم يكن محبوباً خارج الولايات المتحدة، وجاء قراره بمنع رعايا سبع دول من دخول الولايات المتحدة هي: ايران، العراق وليبيا والسودان وسوريا واليمن والصومال، ليمعن في الكراهية هذه المرة عند الشعب الأميركي وسواه، وهذا ما جعله يواجه الأميركيين الذين سارعوا الى ممارسة ضغوط شديدة، من قضاة محكمة استئناف اميركية سألوا إذا ما كان تجريم الناس، لمجرد انتمائهم الى دول لا يحبها ترامب.
الا ان الرئيس الأميركي دونالد ريغان كان رئيساً عالمياً، ونجماً سينمائياً دولياً، ولم يقترف الأخطاء المماثلة لما أقدم عليه الرئيس الجديد في بداية عهده الرئاسي.
وصودف في ايام الرئيس ريغان ان دخلت اسرائيل الى لبنان واحتلت مناطقه الجنوبية ووصلت الى بعبدا، وتمكنت لاحقاً من عقد اتفاق ١٧ ايار بين لبنان واسرائيل، بادئ الأمر في عهد الرئيس الشهيد بشير الجميل، وفي عهد شقيقه الرئيس أمين الجميل، وأوفد الرئيس الأميركي الى لبنان موفده الخاص فيليب حبيب وهو من أصل لبناني.
واستطاع دونالد ريغان أن يستدعي الى البيت الأبيض الأميركي سبعة وزراء خارجية عرباً كان من أبرزهم السيد عبد الحليم خدام والأمير سعود الفيصل.
خلال الاجتماع مع الوزراء العرب، بادرهم الرئيس ريغان بان اتخذ قراره بأن على اسرائيل وسوريا مغادرة لبنان من دون شروط مسبقة.
الا ان الوزير السوري رد بأن على اسرائيل الانسحاب أولاً من لبنان وبعد ذلك تنظر سوريا في الموضوع، الامر الذي جعل الرئيس الأميركي يغضب ويتعقل ويضرب بيده على الطاولة: الجميع مطلوب منهم الانسحاب في وقت واحد.
وهذا هو الفرق بين الرئيس ريغان والرئيس ترامب الذي اراد أن يمنع رعايا سبع دول عربية تشكل خطراً على العالم من دخول اميركا. لكن أكبر دولة في العالم، لم تستطع أن تنفذ تهديداتها لا عندما سمعت او تناهى اليها ان رئيساً عربياً هدد بقصف دولة شرق أوسطية من واشنطن، ولا ساعة أوحت واشنطن انها مؤهلة لجعل دول الشرق الأوسط تنصاع لأوامرها. وحدث بعد ذلك تغيير في اللعبة السياسية، عندما اغتيل الرئيس الشيخ بشير الجميل في مقر حزب الكتائب في الاشرفية، أو ساعة سهلت للدولة العبرية في وقت لاحق، الاحتلال الاسرائيلي لجبل لبنان، واحتلال الميليشيات المسيحية خصوصاً للجبل.
وهكذا استطاعت اسرائيل دخول المناطق المسيحية في الجبل، واستطاع السوريون احتلال القسم الآخر، وهو ما امتد الى مراحل أساسية في سلطة الرئيس الاستاذ الياس سركيس.
وما حدث في الجبل من مآسٍ ومجازر، أدى الى تمزيق اللحمة بين المسيحيين والدروز في الجبل، والذي استطاع فيما بعد، البطريرك الماروني، الكاردينال نصرالله صفير معالجته بروية وهدوء مع الزعيم وليد جنبلاط.
استطاع الرئيس الياس سركيس ابن الشبانية في الجبل، أن يؤمن تدريجياً المصالحة التاريخية في الجبل، وان يجعل الرئيس الأميركي بوجه موفده الى لبنان فيليب حبيب الى تجميد اتفاق ١٧ أيار، ذلك ان الرئيس أمين الجميل امتنع عن ابرامه، على الرغم من ان الرئيس سليمان فرنجيه نصحه بأنه إذا كان ينوي الغاءه أن يحصل مقابل هذه الخطوة على مكسب سياسي للمسيحيين.
رحلة صعبة
كانت الرحلة الى باريس صعبة ومعقدة، يؤمئذ، رأى عدد من الوجوه اللبنانية، أواخر الثمانينات، ضرورة القيام بتحرّك ما لتحريك المحنة اللبنانية من الجمود، والانتقال من أزمة الموارنة مع بعضهم بعضاً، الى رحاب الانفتاح على بعضهم بعضاً.
بادئ الأمر جرى الإتصال بالعميد ريمون إده الموجود في مدينة فرنسية نائية عن العاصمة الفرنسة تقع على المحيط الأطلسي.
طبعاً، لم يكن سهلاً اقناع عميد الكتلة الوطنية بالعودة الى باريس لمعالجة شأن ماروني، وله في الخلافات السياسية مع زعماء الموارنة ألف مذهب ورأي. لكنه أجاب الأمير فاروق أبي اللمع، بأنه حاضر لتلبية طلبه، وان كان لا يرى فائدة منها.
الا ان الأمين العام السابق لوزارة الخارجية تابع اتصالاته، وكان اللقاء الأول مع الرئيس العماد ميشال عون، ثم مع الرئيس أمين الجميل، وآخرين من طوائف مختلفة.
عندما عاد العميد ريمون اده من مصيفه بيارتيز بادر الأمير فاروق والاستاذ جورج جبر والمهندس عبد الله الزاخم بالسؤال الآتي: مين أرسلكم الى فرنسا، ولماذا، وماذا تستطيعون أن تفعلوا لبلد غارق في الخلافات والحساسيات.
ونظر الى الاستاذ جورج جبر وقال له: انت محام كبير، ومن زرع في رأسك ان تعمل رئيس حزب يتولى السلطة في سبع دول أوروبية كبرى، وبالكاد تجد محازبين له في لبنان.
ورد رئيس الحزب الديمقراطي المسيحي: عندما أصبحت حضرة العميد مقيماً في فرنسا، وليس في لبنان سياسيون كبار في مستوى زعيم ونجل رئيس جمهورية سابق، وثمة رئيس جمهورية سابق هو الشيخ أمين الجميل هجر لبنان وهاجر الى باريس، فعلنا ما نفعله الآن.
الا ان العميد بادرهم مجدداً: ماذا تريدون؟
واجابه المهندس عبدالله الزاخم تريد من الزعماء اللبنانيين المقيمين في الخارج، أن يتفقوا على مانيفست يكون بمثابة اتفاق غير مكتوب، لانقاذ لبنان من الخلافات، والرهان على وحدة في المواقف العامة، لا في اللقاءات الخاصة.
وعقب العميد أنا معكم، وأريد منكم ان تقنعوا سواي، بالعمل من أجل لبنان، الواحد والموحد.
وسحب العميد من مكتبه في فندق الملكة اليزابيت قصاصات ورق وراح يتلوها امام الوفد الزائر، ليقول لهم، انه عندما تخرج اسرائيل من لبنان سياسياً، فان لبنان باق بألف خير، ولن ابقى لحظة واحدة في الكوين لأنه فندق وأنا تارك منطقتي العزيزة في بلاد جبيل، ودارتي في جوار وزارة الإعلام اللبنانية.
كان اللقاء مع العميد ظريفاً وطريفاً في آن، وبين الظرافة والطرافة ألف عبرة وعبرة.
عندما التقى الوفد اللبناني الرئيس الشيخ أمين الجميل وجده قلقاً على لبنان، وغير راض ما يحيط به من أخطار، وما يهدده من كوارث، وردد أمام الوفد، بأنه مستعد لكل ما يطلبونه منه.
الا ان المير فاروق صارحه، بان لبنان بحاجة الى أفعالٍ لا الى كلام.
وعندما صعد الوفد اللبناني الى لاهوت ميزون حيث كان يقيم الرئيس العماد ميشال عون، رحب رئيس الجمهورية الحالي باصدقائه، وقال للأمير فاروق: نحن الآن في ضيافتك لقد أحببت أن أتناول معكم أطيب غداء، وحرصت على ان يكون الغداء لبنانياً لا فرنسياً، ولكن للطعام اللبناني على أرض فرنسية نكهة لبنانية خاصة ولذيذة.
وروى الوفد للعماد عون قصة زيارتهم لفرنسا، واسبابها الموجبة حاضراً ومستقبلاً وقال عبارته الشهيرة: عندما يطبق القانون في لبنان، يصبح الوطن الجميل أجمل بلد في العالم.
يوم الاثنين الماضي، كان في لبنان بداية أسبوع شيّق، ذلك ان رئيس الجمهورية، يقول الكلام نفسه في الداخل، ويراهن على ما يزمع تنفيذه، بعد الإنتخابات النيابية المقبلة، وفي رأيه ان تعاونه مع الرئيس سعد الحريري، يمهد لقيام سلطة متجانسة على الصعيد اللبناني، وخلاصة آرائه والمواقف ان لبنان الذي يضم شعباً عظيماً، لا يحتاج إلا لوجود دولة، على انقاض دويلة تسهر على تنفيذ القانون بعدالة على الشعب اللبناني.
ويرد الرئيس عون على الطامعين بخيرات لبنان بقوله: ان الخيارات أضحت ضئيلة، لكنها كبيرة ساعة يؤمن كل لبناني، بأن ينال حقه ويدافع عن واجبه، فتصبح الدولة بألف خير لان المواطنة تستقيم عندما يستند الإنسان الى حقه، ويسدد ما يترتب عليه من واجبات.
ويردف: دولة الرئيس سعد الحريري وأنا نؤمن بأن لبنان وطن محكوم بارادة لبنانية واحدة. وأنا لا أخاف من مرتبات الحلف الذي اقمته منذ سنوات ولا أزال مع حزب الله وسواه وأخيراً مع حزب القوات اللبنانية، والحزبان لم يخفهما تحالف الأصدقاء والأضداد، لأن الصداقة أقوى من العداوة، وهذا نتفق عليه مع السيد حسن نصرالله ويتفق عليه ايضاً ما يجمع ما بين الرئيس سعد الحريري، والدكتور سمير جعجع.
وفي الاسبوع الأخير، كان لرئيس الجمهورية موقف حاد من قانون الإنتخابات، وانا قلت ولا ازال أقول، كما ينقل عنه زوار القصر الجمهوري ان الفراغ افضل من التمديد للمجلس النيابي، وان النظام الانتخابي النسبي احسن بكل مندرجاته وفصوله من النظام الأكثري ايماناً من الجميع بان في النظامين حسنات ومساوئ، ولنكن جميعاً رواد حسنات لا طلاب مغانم.
والاهتمام السياسي بموضوع قانون الإنتخابات لم يحجب الأنظار عن زيارة الوزير السعودي تامر السبهان ونتائجها العملية، وابرزها تعيين سفير جديد للمملكة في لبنان.
ولعل قول الوزير السعودي بعد جولاته في لبنان، انه آت الى بيروت لتعزيز الإتفاق الذي اتفق بين الملك سلمان بن عبد العزيز ورئيس الجمهورية العماد عون عليه خلال زيارته للرياض في الشهر الفائت وانجاز المصالح والاهداف المشتركة.
وفي رأي سياسي لبناني، ان الرئيس اللبناني، مهما كانت له من تطلعات، فان المصلحة اللبنانية تبرر تقديم زيارة المملكة على سواها، لانها تكن له الشعور نفسه.
في حقبة الثمانينات، قرر الرئيس الراحل عمر كرامي، القيام بجولة عربية، لكن نصيحة هبطت عليه، بان جولته ينبغي ان تبدأ في المملكة لا في البلدان الأخرى.
ارجأ الرئيس كرامي جولته، وتوجه بعد ذلك الى الرياض، ومنها لاداء مناسك العمرة ثم زار الجالية اللبنانية في جدة. وعندما غادر الرياض الى الدوحة قال له مسؤول سعودي بارز: ان المملكة هي داركم ساعة تقصدونها.
طبعاً، كانت كلمات المسؤول السعودي، عنواناً صارخاً للرئيس كرامي اودعه مناعة الايمان بدورها السياسي في المحيط العربي.
قبل سنوات توجه الرئيس نبيه بري، على رأس وفد نيابي الى باريس، فزار قصر الاليزيه وقابل رئيس الجمهورية، وتوجه الى مجلس الشورى الفرنسي. وقصد الجمعية الوطنية الفرنسية، وحرص على الجلوس مع الوفد المرافق في الطبقة المخصصة للزوار الاجانب.
كانت الجمعية الوطنية الفرنسية في جلسة استجوابات نيابية. ولوحظ ان رئيس السلطة الاشتراعية حرص على متابعة أسئلة النواب، والردود عليها من قبل الوزراء الموجهة اليهم. لكنه لاحظ ان الانضباط في ساحة النجمة، أكثر مما هو سائد في باحة المجلس النيابي الفرنسي.
طبعاً، خرج الرئيس بري مسروراً بما انطبع في نفسه، عما هو قائم في بيروت، لانه بعد اتفاق الطائف كان وهرة الرئاسة أقوى من الوهرة السائدة في باريس.
طبعاً، لم تصدر عن الرئيس بري أي ملاحظة عما شاهد وسمع. لكن الذين كانوا يرافقونه شعروا بأنه حريص على متابعة دقائق الامور بين لبنان وفرنسا.
وفي اليوم التالي، جمع أعضاء الوفد النيابي والمرافقين، وقال لهم انه متوجه الى قصر فرساي التاريخي الذي أعلن منه البطريرك الماروني الحويك لبنان الكبير بعد حقبة لبنان الصغير.
الا أن أحد النواب صارحه، بقوله ان البطريرك الحويك، عندما حرص على ضم الاقضية الاربعة الى لبنان الصغير كان هدفه الاساسي أن يشعر اللبنانيون من الطوائف اللبنانية كلها، ان الاقضية الاربعة، كانت التحدي الكبير الذي اراده البطريرك الجليل، محكاً وامتحاناً للشعب اللبناني، فهم إذا ما ساروا في معركة تكبير لبنان ينتصرون على الازمات والمحن، واذا ما عجزوا وعادوا الى الخلافات، أو إذا ما راودتهم، في لحظة ظلم، قد يضعف ايمانهم، ويعودوا الى أحلام تتراوح بين التكبير والتصغير.
يوم الاربعاء الفائت اجتمع مجلس الوزراء برئاسة رئيس الجمهورية لدرس مشروع قانون جديد للانتخابات النيابية، وقرر عقد جلستين هذا الاسبوع، وربما لجأ الى جلسات متواصلة لانجاز مشروع جديد للانتخابات.
ونقل وزير بارز، ان رئيس الجمهورية متفق مع رئيس الحكومة سعد الحريري، على اجراء الانتخابات ومعارضة التمديد، وان هناك تفاهماً رباعياً يضم رئيس الجمهورية ورئيس الحكومة والثنائي الشيعي على حل مقبول يوفق بين النظام الاكثري والنظام النسبي لانه في هذه الحقبة، ينبغي التوافق على مخرج محلي مدعوم دولياً، بتشريع قانون في مجلس النواب يحقق الوحدة في التمثيل الحقيقي للشعب اللبناني.
ويقول مرجع حكومي، ان مطالب الفئات اللبنانية كبيرة، لكن أي مطلب مغاير للواقع اللبناني، سيلاقي مصيراً قاتماً في النهاية.
ويبدو ان الرئيس نبيه بري العائد من المستشفى بعد جراحة أجريت له، هو سيد من يوحد البلاد، ويدفع الجميع الى رد كل ما يفرّق الشعب اللبناني عن سواه، أو يفرق بين مكونات الشعب الواحد في وطن واحد.
ويرى المطران بولس مطر مطران بيروت للطائفة المارونية ان الوحدة اللبنانية التي تجلت في عيد مار مارون كانت مناسبة جليلة، للتأكيد بأن شعب لبنان، وان اعترته أحيانا نتوءات انفصالية فانها لن تكون سوى مظاهر عابرة للطوائف لا تؤثر في وحدة الوطن العميقة والمتجذرة على كل ساحات المناطق.