في ظل كل الفوضى وحالة الهلع التي تعيشها البلاد منذ اعلان الرئيس الحريري استقالته، استطاع الرئيس عون الحفاظ على الدولة وحماية هيبتها وتطمين الناس بأنه لن يسمح لاي طرف داخلي او خارجي ان يأخذ لبنان الى الهاوية. وبمقدار حجم الخوف الذي اثارته استقالة الحريري والحديث عن ضربة عسكرية على لبنان، لا يزال قسم كبير من اللبنانيين مطمئن بأن للدولة قائد حكيم قادر على تحجيم الازمة وتقليص حجم تداعياتها على البلد بأكمله. فنتساءل لو تم احتجاز الحريري في السعودية في عهد من الرؤساء الجمهورية السابقين هل كانوا ليأخذوا موقفا جريئاً وقوياً كما فعل الرئيس عون؟ هل كانوا ليقفوا بوجه السعودية رافضين اهانتها للبنان ويتعاملون معها من الند للند ام كانوا ليحنوا رقابهم امامها ويقاربون الازمة من منطلق ان لبنان اقل شأنا من المملكة العربية السعودية؟
واذا تناولنا معركة الجرود ومواجهة الجيش اللبناني للإرهاب المتمرس على حدود لبنان الشرقية الشمالية فهل كان للجيش ان يعطى هذه الصلاحيات بالقتال وبتطهير الجرود لولا وجود رئيس جمهورية قوي؟ بيد ان الارهابيين كانوا متواجدين في قرى ومناطق لبنانية قبل وصول عون الى الحكم لكن لم نر اي مبادرة سياسية اعطت الضوء الاخضر للجيش بفتح نيرانه على الارهاب واقتلاعه من التربة اللبنانية. هذه الحصانة التي فرضها الجيش لم تكن لتحصل لولا وجود قيادة قوية تريد ان يلعب لبنان دوراً ريادياً في محاربة الارهاب دون ان نتجاهل الظروف الخارجية المؤاتية لذلك.
طبعاً مع كل ما ذكرناه من قضايا اتصلت بأزمات خارجية انعكست على لبنان لا يمكننا تجاهل الارتياح المسيحي وعودة ثقتهم بنفسهم بما انهم استطاعوا ايصال مرشحهم الاكثر شعبية في صفوفهم الى سدة الرئاسة وباتت كلمتهم مسموعة في الحكم. ذلك لا يعني ان استمرار اتفاق الطائف كما هو عليه والابقاء على صلاحيات رئيس الجمهورية محدودة هو امر صحيح فالاطمئنان والاستقرار الدائمين للمسيحيين في لبنان لن يكونا ولن يستمرا طالما ان حقوق المسيحيين لا يلحظها الدستور ولا يشملها اتفاق الطائف. والحال ان الظروف التي انتجت اتفاق الطائف تغيرت وتبدلت كما ظهرت ثغرات هذا الاتفاق وضعفه وعجزه في ارساء حياة سياسية سليمة في لبنان، ولذلك وطالما ان طرح تغيير الطائف امر غير مقبول ولكن تعديله امر اساسي وضروري سواء لحماية المسيحيين وحقوقهم او لناحية خلقه بيئة سياسية سليمة تنتج ارتياحاً عند كل طوائف المجتمع اللبناني دون ان يشعر اي فريق بانه مهمش او مظلوم.
كل هذه المطالب التي ندعو اليها ترتبط باي لبنان نريد؟ لبنان لجميع ابنائه او لفئة مستبدة تستأثر بالسلطة؟ لبنان القوي بمؤسساته ام باستمرار المزارع والمافيات والترويكات؟ لبنان القوي والحامي للمسيحيين ام المهمش لحقوقهم؟ لبنان القوي غير المستضعف من اشقاء واعداء؟
اليوم، لبنان الاستضعاف والضحية انتهى، فلم نعد نتلقى اوامر حتى من بلدان عربية شقيقة ولم نعد نرضى باهانات لكياننا ولكرامتنا ولمسؤولينا بل عاد لبنان القوي ولو كره الكارهون وحقد الحاقدون وهم كثر. وذلك يؤكد مرة جديدة بأن معادلة الرئيس القوي هي حاجة ضرورية لمن يريد وطنا قوياً.