ستذعن غالبية من القوى السياسية في لبنان في المدى المنظور، الى ارادة اقليمية – دولية، وتذهب الى البرلمان وتقترع لمصلحة انتخاب رئيس جديد للجمهورية، لم يكن أصلاً من اختيارها، وتنهي تالياً أطول فترة شغور رئاسي في التاريخ اللبناني. ومع ذلك فإن هذا الانجاز اذا حصل – بعد مخاض عسير وطويل – فإنه لن يكون خاتمة الأحزان الرئاسية في التعثر حيناً والذبذبة حيناً آخر. ولن تكون في اليد أية ضمانة بعدم تكرار أزمة الشغور الرئاسي مستقبلاً المرة تلو المرة، ما دام هذا التقليد مستمراً: الخارج يختار المرشح الرئاسي، والداخل ينتخبه! ولن تتغير أحوال لبنان نحو الأفضل ما لم ينعكس المسار ويتحول نحو الأصح، فيكون القرار والانتخاب من الداخل، ويكون التأييد والمباركة من الخارج! المشكلة الحقيقية في لبنان ليست في الطبقة السياسية ولا في هذا النمط من السياسيين، وانما هي في صلب النظام وجوهره، وفي هذه الحاضنة التي لا تنتج الا هذه المسطرة من السياسيين، وهذا النموذج من العقلية السياسية المبنية على الطائفية والمذهبية، والتهافت على السلطة والاستماتة في سبيل احتكارها، ليس حباً في الوطن، وانما طمعاً في تحقيق المنفعة، والثراء المشروع وغير المشروع، وسلوك الطريق الأقصر للوصول الى هذه الأهداف، وهو طريق الفساد. والحلف الشيطاني السري حتى بين المتصارعين على المكاسب، هو اعتماد القاعدة الذهبية للفساد: كلما ازدادت الدولة ضعفاً، ازداد تضخم الثروات في جيوب النافذين، وفي أرصدتهم المصرفية السرية في الخارج!
الشغور الرئاسي اليوم هو فرصة ذهبية لاختصار الزمن، وللخروج من المتاهة التاريخية باصلاح العور في أساس النظام، ليس دفعة واحدة، وانما بالتدرج خطوة بعد خطوة. والبداية تكون باتفاق مكونات الوطن على المبدأ، واقرار الهدف وهو اصلاح النظام من جذوره أولاً. وما لم يحدث ذلك، فإن كل استحقاق رئاسي مستقبلاً سيبقى شغوراً بين رئاستين!