IMLebanon

الجميع في المأزق والحريري يستقيل إذا سقطت دماء

 

فشل تعديل الحكومة يُعيد تغييرها إلى الواجهة… وشرخ العائلة يتعمّق

 

استعجل الأمين العام لـ”حزب الله” السيد حسن نصر الله في اتهام سفارات وأحزاب بمحاولة حرف الحراك الشعبي غير المسبوق عن أهدافه التغييرية، التي اضطر للإقرار بأنها صادرة عن انفجار شعبي عفوي وليس عن مؤامرة تحاك. ولذلك بدا متناقضاً في الجمع بين الاستنتاجين، المتعجل والواقعي. هذا فضلاً عن وجود تناقضات عدة في خطابه بين الكلام الهادئ في الحديث عن “الإنجازات التي حققها الحراك من باب عدم تسخيفه، وبين تهديده بـ”الإصبع” لتخويف من يريد أن يخاف، والذي أقرنه بإنزال مناصريه إلى ساحتي رياض الصلح والشهداء حيث افتعلوا اشتباكاً مع المحتجين، ثم إعادة سحبهم لاستعراض البروفا لما يمكن أن يحصل لاحقاً.

 

يمكن الاسترسال في الحديث عن التناقض في مواقف السيد نصر الله، وهذا فعله كثر، لكن الأمر مصدره أن الحراك وضع “الحزب” في مأزق مثل كل الفرقاء الذين تتكون منهم السلطة، حتى أولئك الذين خرجوا منها (القوات اللبنانية)، وإن تفاوت هذا المأزق بين فريق وآخر. فهذا لا يمنع القول إن المأزق يشملهم “كلن” بلا استثناء.

 

وإذا كان التغيير الحكومي هو بداية الصدمة المطلوبة لمسار يقود إلى الخروج من المأزق، تتنازع “الحزب” القناعة بأن بقاء الحكومة مشكلة وأن تغييرها مشكلة بالنسبة إليه. فهو قبل بمناقشة ما سماه رئيس الجمهورية العماد ميشال عون بالتفاهم معه “إعادة النظر بالواقع الحكومي وفق الأصول الدستورية”، لكنه في المقابل يضع مع عون شرطين: أولاً عدم الإقدام على أي خطوة “تحت الضغط” وبالتالي فتح الطرق ولو بالقوة، والثاني كما تقول، مصادر الحليفين عدم التسليم بتحقيق رئيس حزب “القوات اللبنانية” سمير جعجع انتصاراً على العهد في الوسط المسيحي، وبالتالي على “الحزب” الذي يقرأ أي تراجع في دور الرئاسة وحصتها وموقعها في أي تركيبة حكومية على أنه استهداف له، ويضعه في سياق إقليمي ودولي قاد نصر الله إلى استحضار دور “السفارات” في الحراك، مستعيداً نظرية المؤامرة التي نفاها في بداية خطابه. كل هذا على رغم أن إلباس جعجع ثوب الانتصار في الوسط المسيحي تضخيم نظراً إلى أن كثراً من المحتجين اعتبر رئيس “القوات” واحداً من “كلن يعني كلن”، مع أن القواتيين يشاركون في الحراك وفي تنظيمه في عدد من الساحات بصفة غير حزبية.

 

الشرخ في العائلة

 

كاد البحث بين رئيس الحكومة سعد الحريري وبين عون ومع سائر الفرقاء في التعديل الحكومي يتقدم، منتصف الأسبوع على قاعدة تغيير 10 وزراء من فرقاء عدة، والإبقاء على الحكومة الثلاثينية (باعتبار استقالة أو إقالة أكثر من ثلث الوزراء يعني دستورياً اعتبار الحكومة برمتها مستقيلة). التعديل يوجب استبدال جبران باسيل الذي عاد فأقنع عون على رغم ضغط العائلة الصغيرة بالتضحية به نظراً إلى النقمة عليه التي تستجلب النقمة على العهد والعائلة، بأن الاستغناء عنه يقود إلى مطالبة الخصوم بتنحي الرئيس، الذي أوقف البحث بأي صيغة، فضلاً عن أن “حزب الله” رأى في التضحية بباسيل هزيمة له، خصوصاً إذا لم تكن هناك ضمانات بأن الحراك سيخرج من الشارع بعدها.

 

صدقت بذلك توقعات بعض المنغمسين بتفاصيل المداولات حول التعديل الحكومي منذ البداية، بأن “الحزب” ليس مستعداً له نتيجة شروطه، وبأن فتح عون كوة باستخدامه عبارة “إعادة النظر” لم يكن إلا استجابة شكلية لنصيحة ممثل الأمين العام للأمم المتحدة يان كوبيش صبيحة خطابه، بوجوب القيام بشيء في شأن الحكومة، أوجبت تعديلاً في الخطاب المسجل لاحقاً، وفق قول المصادر المعنية بمداولات الشأن الحكومي، وهو ما شجعت عليه عائلة الرئيس. كما أن فتح عون كوة في الجدار الحكومي كان نوعاً من تنفيس لمطلب الوسط المسيحي والبطريرك بشارة الراعي الذي طالب بحكومة إنقاذية ومصغرة مخافة أن يصبح العهد بلا غطاء مسيحي.

 

حسابات الحزب الإقليمية وامتناع الحريري

 

هل يكفي تجييش مناصري “التيار الوطني الحر” ضد قطع الطرق للخروج من المأزق، وسط مخاوف من افتعال اشتباك جديد في الوسط المسيحي لاستعادة الالتفاف حول قيادته، في وقت يعتبر بعض عائلة الرئيس عون أن الرئاسة “محاصرة من زمرة فاسدين تمارس سطوة” على قراراته، ويدعو هذا البعض إلى القبول بمطلب الحراك إجراء انتخابات نيابية مبكرة؟ وهل يحول الامتناع عن التصدي بجدية لخيار التغيير عبر الحكومة دون تزايد امتداد الغليان من العائلة العونية إلى داخل “التيار الحر”، في ظل مجاهرة الصهر الثاني العميد شامل روكز بالخروج من “تكتل لبنان القوي” وافتراقه عن قيادة باسيل، وكذلك تمهيد النائب نعمت فرام لهذا الخروج اعتراضاً على السياسات المتبعة، في وقت أخذت قيادات في الصف الثاني والثالث تنفك عن “التيار” وتنضم إلى الحراك، بينما يتلقى نواب من “التيار” يعترضون ضمناً على أداء باسيل منذ زمن، أصداء كل ذلك بإيجابية؟

 

هل يتيح تأخير الحزب اتخاذ القرار بالتعديل أو التغيير الحكومي لأسباب داخلية وأخرى تتصل بحساباته الإقليمية في إطار الهجمة الأميركية على نفوذ إيران في المنطقة في ظل ما يشهده العراق من تحركات شعبية منذ أكثر من شهر، على هذا الصعيد؟

 

فضلاً عن أن فشل التعديل الحكومي أعاد إلى الواجهة خيار تغيير الحكومة برمتها لمصلحة تركيبة مصغرة، فإن الحسابات الإقليمية تغرق المأزق بمزيد من التعقيد حيث لقي إصرار “الحزب” على إخراج المحتجين من الطرق وحصرهم بالساحات، عبر استخدام القوة، ممانعة من الجيش والقوى الأمنية، بعد أن برهنت جموع المحتجين عن إصرار منقطع النظير على البقاء في الشارع.

 

وعلى رغم أن تشدد “حزب الله” قد أثر في بعض الوسط الشيعي المشارك في الحراك، فإن احتمال لجوء “الحزب” والرئيس عون إلى التخفيف من “ضغط” الحراك الشعبي إلى أساليب قمعية يمكنه ممارستها أسوة بما يقوم به حلفاء إيران في العراق، فإن موقف رئيس الحكومة سعد الحريري حيال الخيارات القمعية قطع الطريق على إلحاح عون على فتح الطرق بالقوة. وهو رفض منذ الأسبوع الماضي اقتراح عون عقد اجتماع للمجلس الأعلى للدفاع لاتخاذ قرارات أمنية وعسكرية، خشية أخذ تغطية رئيس الحكومة لقرارات قمعية حيال الحراك. ولذلك تصرف الحريري إزاء إطلاق النار على المحتجين في البداوي بسرعة طالباً التحقيق في ما جرى، معبراً عن غضبه منه. بل إن الحريري، إذا كان يتريث في استقالته بناء لنصيحة دولية ومحلية، بينها نصيحة “حزب الله”، تجنباً للفراغ، ولإفساح المجال لاتفاق على الحكومة البديلة، فإنه اتخذ قراراً بأن يستقيل فوراً إذا سالت نقطة دم من المحتجين، وفق مصادر قريبة منه.