IMLebanon

الجميع يرفعون الرايات البيض… ولكن؟

هبَّت رياح الرئيس التوافقي. الجميع يُنادي ويرفع الرايات البيض، من الأمين العام للأمم المتحدة بان كي مون، الى الولايات المتحدة وفرنسا، والعديد من دول التحالف. كان نائب وزير الخارجيّة الروسي ميخائيل بوغدانوف صريحاً قاطعاً في هذا الموضوع خلال زيارته الأخيرة. هناك حراك ديبلوماسي فرنسي مكثّف يتولّاه الموفد الخاص جان فرانسوا جيرو. آخرون غيره على الطريق، الى بيروت.

الحوار المنتظر بين تيار «المستقبل» و«حزب الله»، يحظى بإهتمام خارجي، إن من حيث التوقيت، او جدول الأعمال. هناك إتصالات ومشاورات، وتقصّي حقائق في شأن الظروف وإمكانات النجاح، لإحداث خرق في الجدار.

هناك تفاهم فرنسي – روسي – إيراني ليست الولايات المتحدة بعيدة أو معزولة عنه، يرمي الى الإرتقاء بالبند الرئاسي من «إحتمال وارد» على جدول الأعمال، الى «ضرورة حتميّة» يفترض أن تحظى بالأولويّة. ويؤكد بعض المتابعين أنّ طاولة الحوار سوف تتوسّع بعد جولة او جولتين، لتشمل سائر الفاعليات، بهدف إنضاج التوافق والنزول الى ساحة النجمة لممارسة واجب الإنتخاب.

يتولّى الرئيس فرنسوا هولاند شخصيّاً إدارة هذا الملف، بدعم واضح من الفاتيكان، وبحركة مكثّفة من الإتصالات مع عواصم الدول المؤثّرة. ولا يمكن القول «فول حتى يصبح في المكيول»، لكنّ الدوافع التي تفرض نفض الغبار عن هذا الملف، إنما يُمليه الهريان الذي بلغه الوضع في لبنان، أمنيّاً، إقتصاديّاً، إجتماعيّاً، معيشيّاً.

لقد طرأ بعض التعديل على المسلسل اليومي للوزير وائل أبو فاعور، لكنّ ما فضحه حتى الآن يكفي، والدول ترى، وتسمع، وتراقب، وتحاسب. قضيّة الجنود الأسرى تحوّلت مهزلة وطنيّة، وبدأ العفن يتمدّد لينال من هيبة المؤسسة العسكريّة، وعندما تصبح المبادرات الإنقاذيّة على مستوى «الطاقيّة»، وأخواتها، ومثيلاتها، فالآتي فعلاً سيكون أعظم.

يسرق سؤال محوري هذا البريق: هل التوافق المطلوب سيكون حكراً على إسم الرئيس، ام على مؤهلاته، أم على التسوية التي لا بدّ منها؟ الجواب القاطع غير متوافر بعد.

إلّا أنّ لدى الكولسات الناشطة مقاربات ثلاث:

الأولى، ضرورة التفاهم على إسم رئيس يعيد التوازن الوطني الى الميثاق، ويخرجه من وضعية الإحتضار الى الحيويّة، ويحرّر المسيحييّن من الإنفصام، ويخرجهم من الضياع والإحباط، ليستيعدوا الدور والريادة في الوطن.

الثانية، إنّ التفاهم على مؤهلات الرئيس ضرورة سياسيّة ووطنية لملء الفراغ، والسعي الى الحدّ من الإنهيارات في قطاعات الدولة، حيث كلّ وزير فاتح على حسابه هذه الأيام بلا رقيب أو حسيب. والإمساك، ولو نسبيّاً، بمفاصل الأمن والإقتصاد، وحمل الجميع على العودة الى خيمة الدستور عن طريق التفاهم على قانون إنتخاب، ووضع حدٍّ للتمديد، وإجراء إنتخابات نيابيّة، وتأليف حكومة وحدة وطنيّة.

الثالثة، التفاهم على «أنّ التسوية هي التي تأتي بالرئيس، لا الرئيس الذي يأتي بالتسوية؟!». ثمّ أيّ قيمة إضافيّة يمكن أن يقدّمها إنتخاب رئيس، إذا كان بحر النزوح السوري لا يزال يفيض ويزبد بلا أيّ حلول أو معالجات، وفي ظلّ تواطؤ دولي موصوف.

وإذا كان مصير اللاجئين الفلسطينيين لا يزال مجهولاً. وإذا كان هناك مَن يتصرف على أنه دولة داخل الدولة، يأخذ البلد الى حيث يريد وفق رهاناته وإلتزاماته الخارجيّة. وإذا كان السلاح اللاشرعي، أقوى من السلاح الشرعي.

وإذا كان البعض مصرّاً على ركوب كلّ موجة للإفادة من أسهم البورصة المتداولة. فعَل هذا البعض ذلك أيام الموجة الناصرية في مصر والعالم العربي. وفعل ذلك مع الثورة الفلسطينيّة عندما عاشت أيام عزّ في لبنان. ويفعل ذلك الآن للإفادة من ضرع «داعش» و»جبهة النصرة»، وأخواتها، والجهات التي تسلّح، وتموّل، وتدعم، وتؤازر تنفيذاً لإملاءات خارجيّة قصوى.

لقد هبّت رياح الرئيس التوافقي فعلاً: لكن لا الفعل هنا، ولا الخيار، بل الإخراج، ومَن يختار، ويسوّق، ويهندس هم أهل الحلّ والربط في الخارج، الذين يمسكون بالبلد ومفاصله، ويُحدّدون مصيره ومستقبله.