Site icon IMLebanon

شواهد العرب على إبادة الأرمن

لم تتصالح تركيا مع ماضيها. كأنها السلطنة التي لم تشف بعد من أعراض ما أصابها في بدايات القرن العشرين. يفاخر رئيسها رجب طيب أردوغان بالنمو المطرد لاقتصاد بلاده. يتصرف شأن السلاطين. أدار ظهره للذكرى المئوية لإبادة الأرمن وانصرف الى الإحتفال بمئوية أخرى: ذكرى الإنتصار في معركة غاليبولي.

تركيا لا تزال مريضة. لا يريد الزعماء الأتراك الإعتراف التام بالوقائع التاريخية لمذابح عام ١٩١٥، خلال الحرب العالمية الأولى وبعدها. فتكت الجيوش العثمانية بأكثر من مليون من الأرمن. لم يكن الأمر كما يقترحه أردوغان. لا جواب في خزائن الأرشيف العثماني. بل في حقيقة أن السلطات نفذت في ٢٤ نيسان من ذلك العام اعدامات بالجملة لنحو ٢٥٠ من المثقفين وقادة الرأي من الأرمن في اسطنبول. هذا ما فعله جمال باشا السفاح عندما اتهم أدباء وشعراء وصحافيين بالخيانة العظمى في ولاية الشام. علقهم على أعواد المشانق في بيروت ودمشق. كان هذا ديدن الولاة العثمانيين حيثما حلّوا.

اتخذت دول عدة في العالم (فرنسا، ألمانيا، النمسا، روسيا ونحو ٣٠ دولة أخرى) خطوات جديّة نحو الإعتراف التام بإبادة الأرمن على أيدي العثمانيين قبل مئة سنة. ذهب الرئيس الفرنسي فرنسوا هولاند الى أرمينيا للتضامن والإقرار النهائي بأن ما حصل عام ١٩١٥ كان حقاً إبادة. البابا فرنسيس وصل الى هذا الاستنتاج. هذا اعتراف من أوروبا.

الولايات المتحدة وبريطانيا ودول أخرى لم تقترب من هذا الهدف. قبل سنوات من تعيينها مندوبة دائمة لبلادها لدى الأمم المتحدة، استعارت سامانتا باور من عبارات من التاريخ لكتابها “مشكلة من الجحيم: أميركا وزمن الإبادة”. أوردت أن سلطات بلاد الأناضول “علقت أوامر ترحيل تفرض على الأرمن الانتقال الى معسكرات شيدت في الصحارى السورية”، مستدركة أن السلطات العثمانية “كانت تعلم في الحقيقة أن لا منشآت قد أعدت، ومات أكثر من نصف المرحلين الأرمن في الطريق”.

كذلك قدمت مشاركة الأمير تشارلز مع أردوغان في مراسم ذكرى انتصار تركيا في معركة شبه جزيرة غاليبولي على الحلفاء، ومنهم بريطانيا، انطباعاً أن المملكة المتحدة لا تعترض على خطوة تركيا نقل الذكرى من ٢٥ نيسان الى ٢٤ منه في محاولة لطمس تاريخ بدء عملية الإبادة.

تقر الأمم المتحدة بأن مأساة الأرمن نتجت من “مجازر” و”أحداث مأسوية”. غير أن ما حصل لهم ساهم في تحويل القسطنطينية ما هي حال اسطنبول اليوم.

لم يكن ذلك “سفر برلك” أرمينياً. ليست تلك مجاعة قضت على مئات الآلاف أو أوبئة فتكت بهم. مات الأطفال والنساء تجويعاً وتعطيشاً ومرضاً. الرجال ماتوا قتلاً بتهم الخيانة، أو بالحرب.

الدول العربية، وأولاها لبنان، فيها الكثير من الشهود والشواهد على إبادة الأرمن.