خُيِّل للبنانيين، أمس، أنهم في قاعة سينما يُعرض عليهم شريط سينمائي أميركي هوليوودي مذهل، أو أنهم أمام شاشات أقنية الواقع والتوثيق التلفزيونية العالمية… فالمشهد في ناحية «زقاق البلاط» في قلب القطاع الغربي من العاصمة، غير مألوف في مجتمعنا… وهو أصاب الناس بذهول حقيقي، وبخوف حقيقي، إنبثقت منهما أسئلة جدّية.
صحيح أنها ليست المرّة الأولى، من أسف، التي يطلق فيها عندنا شخص النار على أحد والديه أو كليهما في آن معاً، أو على بعض من ذويه. فهذه الجرائم النكراء تقع في المجتمعات كلها، ونحن ليس فوق رؤوسنا مظلّة ترد عنّا مثل هذه الجرائم، وإن كانت قليلة نسبياً، عندنا، قياساً الى ما هي عليه في العالم الخارجي ممّا تتناقل وسائط الإعلام تفاصيله يومياً تقريباً.
ولكن الجريمة الجماعية وبهذا المحصول من القتلى والجرحى، وتوسّع مسرح الجريمة من غرفة داخل المنزل، الى الشارع حيث استمرت، ثم إلى المبنى المقابل وقد تواصلت الجريمة، ومن ثم «الرش» العشوائي على البناء الأول… إنما هذا كله دليل شرّ كبير أخذ يجتاح مجتمعنا المعروف بأن نسبة الجريمة فيه قد تعاظمت فعلاً ولكنها بقيت تحت سقف المعدّلات المعروفة عالمياً.
ولنعترف بأنه يصعب الدخول الى هذه الجريمة البشعة ليس لعدم وجود المداخل والمنافذ للولوج اليها، إنما لكثرة ما فيها من أبواب! فهل يكون الدخول من إنتشار السلاح القاتل في أيدي الناس؟ أو من تمكّن مراهق من الوصول الى السلاح واستخدامه؟ أو من العلاقات الأسرية وإطلاق الإبن النار على أبيه؟ أو من «هيجان» هذا الفتى المراهق الذي بلا حدود لدرجة أنه لم يكتف بقتل والده بل قتل وحاول قتل كل من وجد في طريقه؟ أو من عدم قدرة القاتل على ضبط ذاته فلم يرتو بالقتلى الثلاثة وبالإصابات العديدة فواصل رشق المبنى الذي يقيم فيه مستهدفاً إياه بإطلاق النار من المبنى المقابل؟!
ولو لجأنا الى علماء النفس لربما أسهبوا في شرح كل نقطة ممّا تقدم ذكره؟
فما الذي يدفع مراهقاً لهذا الغضب الشديد؟
وما هي «الأسباب الموجبة» التي حالت دون تهدئة غضبه بالرغم من المسار الطويل والوقت غير القصير؟
لا شك في أنه لا يمكن إيجاد مبرّرات لهذه الجريمة، ولا حتى في كون القاتل قاصراً (تحت السن)، ذلك أنّ من هم في عمره لا يمكن أن يبلغ الشرّ في قلوبهم هذا المبلغ الخطير.
ومن دون أي تبرير ندعو الى تنشئة إنسانية ووطنية صحيحة تنطلق من قواعد وأسس سليمة… وإلى وقف إستعمال السلاح الفردي ووضعه في متناول الجميع ولو بذريعة إعتبار بعضه للصيد. ونطالب بتشديد مكافحة المخدرات التي تجتاح الأجيال الطالعة والتي باتت تُرْسَل «دليفري» الى تلامذة المدارس والأجيال الطالعة وكثيراً ما تكون وراء الجرائم.
إن هكذا جريمة مروّعة يجب أن تستفزّ وتحثّ المسؤولين والمجتمع المدني الى مبادرة عملية سريعة، كي لا يفلت مِلَقّ هذا الشر الشيطاني، وعندئذ لن تعود المعالجة تجدي.