كتب لي أحد القرّاء الأعزاء، تعليقاً على مقال الثلثاء الفائت، “بئس الموارنة”، كلاماً يختصر المشكلة اللبنانية، هو الآتي: “بئس الموارنة والسنّة والشيعة والدروز والكاثوليك والأرثوذكس والبوذيون والحوثيون والوهابيّون والكافرون وبقية الناس أجمعين لأنّهم كما هم يُوَلّى عليهم”.
شكراً للقارئ العزيز. لقد قال باسمي الشخصي ما أريد قوله في كل آن، ومفاده أن الطوائف والمذاهب هي التي تتحكم بنا (لا الإيمان بالله)، وتُملي علينا مواقفنا وأفكارنا وتصرفاتنا، وما نحن سوى عبيد خانعين لها، ننقاد لإراداتها وغرائزها، من دون أن نُعمِل عقلنا النقدي والمدني في ما ينبغي أن نتخذ من قرارات ومواقف. بئس الجميع إذاً، وأخصص كلامي لمُصادِري السنّة والشيعة تحديداً، “الأقوياء”، ومَن يلفّ لفّهم، ويمشي في ركابهم، في هذه الجمهورية الذليلة.
لماذا أذكر الطائفتين السنّية والشيعية تحديداً؟ لأنهما تشنّان حرباً قاتلة، لا هوادة فيها، هي جزءٌ من حرب إقليمية، سعودية – إيرانية، لا مصلحة لنا فيها كلبنانيين أولاً، ولا كشيعةٍ وسنّة لبنانيين ثانياً، كما لا مصلحة للمسيحيين فيها، لكي ينقادوا إلى هذه أو تلك من الطائفتين، ثالثاً.
أما رابعاً وأخيراً، فلا مصلحة للبنان، ككيان وجمهورية ودولة، في هذه الحرب لأن نتيجتها الواحدة المطلقة هي الانتهاء من الدولة، بما يعني ذلك حصراً تغيير معنى لبنان، وجوهر وجوده، ومغزاه، ودلالاته، وجعله ذَنَباً ملحقاً بالمنتصر، أياً يكن، بل جعله مصنعاً صغيراً من مصانع الموت والظلام والتخلف، وآلةً تُستخدَم عند الحاجة، وكبش محرقة في كل آن وأوان.
لا تعميم هنا، كما لا تعميم هناك. ثمة مَن ينتمي إلى هذه الطائفة وتلك، لا ينطبق عليه كلامٌ من هذا النوع. فيقتضي التنويه. لقد كان لنا زمنٌ لبناني، ليس ببعيد، اضطلع فيه المتنوّرون من سنّة لبنان وشيعته بأدوار دولتية، مدنية، إنسانوية، فكرية وسياسية ومجتمعية، ساهمت في إعطاء دولة لبنان معنى فريداً في هذه المنطقة التي حكمتها ولا تزال، أنظمة توتاليتارية، عسكرية ودينية، جرّت الوبال والموت على الشعوب والأوطان. وما الحروب التي نشهدها اليوم في أكثر من بلد عربي إلاّ ثمرة من ثمرات هذا الجور الهائل والمرعب الذي مُنيت به الشعوب العربية طوال الخمسين عاماً الفائتة.
فماذا تفعل القوى، التي تصادر الشيعة والسنّة، سوى الإمعان في إسكات مصادر الضوء والخلق والحرية لدى هاتين الطائفتين اللتين تضمّان من نبلاء العقل المدني العلماني الديموقراطي الدولتي ما لا تتسع له مقالات وصفحات؟ تحيتي إلى هؤلاء الأحرار الكُثُر، وبئس أولئك السنّة والشيعة!