بعد نحو شهرين على إعلان تبني رئيس «القوات اللبنانية» سمير جعجع ترشح العماد ميشال عون للرئاسة، لم يتم حتى اليوم انتخاب رئيس. «الحكيم» يتّهم «حزب الله» بأنه يعرقل انتخاب رئيس وبأنه لم يقدم الدليل الحسي على صدق دعمه للعماد عون عبر التوجه الى البرلمان.
خطوة التقارب بحدّ ذاتها كان لها وقع ترحيبي كبير لدى القاعدة المسيحية. المآخذ التي وجهت الى المتصالحين طالبتهم بـ «الاعتذار» عن تاريخ أسود وعنيف. ولكن حتى من كانت له مآخذ لم يكن ليرفض مبدأ التلاقي. لكن أصواتاً عديدة تشكك في مدى قابلية هذه المصالحة للعيش، «كونها مبنية على أساس مصالح وليس مشروع سياسي ينتشل المسيحيين من كبوتهم في الوجود والحضور». من بين هذه الأصوات تبرز مجموعة «قدامى القوات اللبنانية» كأحد معاصري «المصالحات» التي خاضها زعيم معراب وما آلت اليه في نهاية المطاف.
احتفالية المصالحة وصفت بالتاريخية لكونها دفنت، أو ربما هدفت الى دفن، جراحات وأحقاد عمرها 30 سنة. ولعل الاستحقاق الداهم الذي من المفترض ان تمتحن فيه «عملية الانقاذ» تلك هو من دون شك الانتخابات البلدية.
في الانتخابات البلدية الموعودة، يرى قيادي في «قدامى القوات» ان التوافق في هذا الملف ليس جديدا وهو مجرد تحالف انتخابي. ويذكّر بتحالفات انتخابية سابقة جمعت «القوات» و «التيار» في الكثير من المناطق والقرى «مثل بلدة غسطا في كسروان حيث توافق العونيون والقواتيون ضد اللائحة التي كان يدعمها الوزير السابق فريد هيكل الخازن ففازت لائحة الأخير». يحرص القيادي على التمييز بين «الشأن الانتخابي والمشروع السياسي».
يسجل القيادي الكثير من نقاط الاختلاف العالقة والفاقعة «فخطاب رئيس القوات ضد حزب الله، لم يتم تعديله أو حتى تلطيفه، أقله مراعاة لكون الحزب هو الداعم الأول لترشيح العماد عون، ناهيك باتفاق الجانبين على اعتماد سياسة حياد لبنان في ما يتعلق بالنار الإقليمية المستعرة ولجوء جعجع الى السير في الركب السعودي وبشكل يزايد فيه في أحيان كثيرة على تيار المستقبل نفسه».
العارف بذهنية زعيم «القوات» يضع ذلك في خانة «التكتيك الذكي من قبل جعجع الذي يعرف كيف يوظف الفرص لصالحه، وعلى هذا الأساس عمد الى ترشيح عون لأنه يعرف أنه لن يصل الى الرئاسة». برأي القيادي «العتيق» تبنى جعجع ترشيح عون لسببين: الأول لأنه لا يمكنه تحمل رئيس من زغرتا وخصوصا سليمان فرنجية، والثاني لأنه يدرك وهو المقرّب من السعودية أن المملكة لن توافق على عون رئيسا».
وبهذا، أي بإبعاد فرنجية عن كأس الرئاسة ولملمة المزيد من المسيحيين حوله، يكون «الحكيم» قد حسبها «على البكلة» في القاعدة التي تقول بالربح المزدوج. وإذ يستند الى معرفته بقائد معراب، أقله من خلال رفقة السلاح الواحد لسنوات، يقول: «نجح جعجع في ضم الكثير من العونيين ممن كانوا يضعون سليمان فرنجية في المرتبة الثانية كقيادة مسيحية بعد الجنرال». ويلفت النظر الى ان الطريقة التي يعتمدها جعجع في استجلاب المناصرين على أرض برتقالية ودخول حياة العونيين يوميا بثوب ايجابي ومنفتح، هي الطريقة نفسها التي كان يعتمدها عندما كان يحضّر لانتفاضته الاولى ضد قائد «القوات» آنذاك فؤاد أبو ناضر، اذ كان يعمد الى عقد لقاءات بـ «المفرق» مع المحازبين لتغذية الانقلاب في 22 آذار 1985. والأسلوب نفسه في انتفاضته الثانية ضد حبيقة نفسه في العام 1986 اثر «الاتفاق الثلاثي» الذي أعقبه، وفق القيادي، إقدام جعجع على إرسال رسائل الى سوريا لمناقشة مشروع اتفاق ثلاثي آخر على قاعدة «أنا أو لا أحد».
في القاموس «القواتي»، يطرح القيادي ما يعتبره دليلا على ما يقول. يوضح: تاريخ توقيع مصالحة معراب كان في 18 كانون الأول وحينها قال جعجع انه تمنى لو كان في 15 وليس 18 لأنه «تاريخ عزيز على قلبي». لمن لا يعرف فإن في هذا التاريخ المشؤوم 15 كانون الأول 1986 قتل 600 شاب من القواتيين في انتفاضته الثانية ضد حبيقة، وبالتالي لا يمكن ان يكون يوما عزيزا على أحد بل كان يجب ان يكون يوما للصلاة ولقرع أجراس الكنائس».
وينقل عن أحد قياديي الحزب الذين رحلوا توصيفه جعجع بأنه «يعتمد سياسة الفيل الذي يدعس كل من حوله».
يسجل للعماد عون، برأي هؤلاء، نشره استراتيجية مسيحية صحيحة لغاية 18 كانون الأول. يقول القيادي إن «مذكرة التفاهم التي وقّعها عون مع حزب الله كخصم شريف في العام 2006 هي التي تريحنا اليوم. ولكن بعد رحيله، وله طول العمر، لن يطمئننا ما فعله في معراب. فالأول كان تفاهما استراتيجيا، وأما الثاني فتفاهم تكتيكي نظف خلاله الجنرال كل تاريخ جعجع ليتمكن من ان يسحب دعمه لترشحه للرئاسة. وهذا ما كان يحتاج اليه جعجع لكي يعزز حلمه في اقامة إمارة مسيحية فيقف في معراب ليقول باسم المسيحيين: الأمر لي».