المبالغة «الزرقاء» في احتضان «البرتقالي» تُزعج الحكيم وتُثير قلقه أسئلة حول التوقيت والمضمون.. إذا كانت الرئاسة مؤجّلة فلماذا الحوار؟
السعودية «تبارك» الحوار بين تيار المستقبل والتيار الوطني الحر طالما انه لن يؤدي الى وصول الجنرال ميشال عون الى قصر بعبدا، هذا «السقف» يعرفه جيدا رئيس تكتل التغيير والاصلاح ولا تتملكه اي «اوهام» حيال قدرة الرئيس الحريري على تجاوز«الفيتو» السعودي، هذا اذا كان الاخير مقتنعا اصلا بفكرة وجوده في القصر الرئاسي. في المقابل يعرف رئيس القوات اللبنانية سمير جعجع ان الحريري يستخدم معارضته مع باقي مكونات 14 اذار المسيحية لوصول «الجنرال» الى بعبدا، «شماعة» للتغطية على رفض السعودية منح طهران نصرا مجانيا على الساحة اللبنانية، وعندما تتذلل العقبات الاقليمية الدولية لا يصبح لموقف هذه القوى اي قيمة عملية، «والمخارج الوطنية» المعتادة لتبرير مثل هذه التراجعات، لا تحتاج الى الكثير من الجهد من قبل «التيار الازرق» لفرض ما يريده على حلفائه، فاي مرشح سيتم التوافق عليه في الخارج اكان عون او غيره لن يتمكن حلفاء الحريري من الاعتراض على وصوله الى سدة الرئاسة. اذا لماذا تكبد «الجنرال» عناء زيارة «بيت الوسط»؟ ولماذا يشعر «الحكيم» بالقلق من الحوار «المفتوح» بين عون والحريري؟ ولماذا لا يزال افق التسوية الرئاسية مسدودا؟
اوساط ديبلوماسية في بيروت تشير الى ان «المعضلة» الرئيسية تكمن في غياب الاستراتيجية الاميركية الواضحة تجاه التعامل مع الملف اللبناني، فادارة الرئيس باراك اوباما لا تضع الاستحقاق الرئاسي في جدول اعمالها، وتركت البحث فيه للادارة الفرنسية والقرار النهائي في حسمه ترك للحليف السعودي، وهذا يعني عمليا ان الاميركيين اختاروا «النأي بالنفس» عن التدخل الفاعل لبلورة مخرج مناسب لهذه الازمة خوفا من اغضاب السعوديين من جهة والايرانيين من جهة اخرى في وقت تخوض فيه واشنطن مفاوضات نووية مع طهران.
وتلفت تلك الاوساط الى ان القلق لدى حلفاء واشنطن مبرر لان اصرار ادارة اوباما على عدم ربط اي من الازمات الساخنة في المنطقة بملف التفاوض النووي مع ايران، يثير «الريبة»، وثمة اتهامات للاميركيين بالرضوخ لقواعد التفاوض الايرانية القائمة على رفض ربط المسار النووي باي من الملفات الاخرى، وهذا افقد «خصوم» طهران «ورقة» رابحة كانوا يأملون في استخدامها للضغط على الايرانيين لاجراء مقايضة معقولة بين ملفها النووي وغيرها من ملفات المواجهة المفتوحة، لكن نجاح ايران في عزل الملف النووي عمّا افقد هؤلاء الكثير من «اوراق القوة» لفرض تسويات معقولة ومن ضمنها انجاز الاستحقاق الرئاسي اللبناني.
ولا يتوقف الامر عن هذا الحد فالاكثر اثارة في هذا الاطار يرتبط بالاستراتيجية الأميركية نحو دمشق، فحلفاء واشنطن ينظرون بعين الريبة الى كيفية مقاربة ادارة اوباما للعلاقة مع «حزب الله» وطهران وموسكو في سياق «الحرب المشتركة» ضد «داعش»، فالاستراتيجية الاميركية في هذا السياق قاصرة جدا في تقديم عون جدي «للمعارضة المعتدلة»، وحتى المبادرة الى تقديم العون لنحو خمسة الاف مقاتل، تضعه واشنطن في اطار الحرب على «داعش» وليس في سياق اسقاط النظام السوري، وهذا سيحول عملياً شركاء الولايات المتحدة في التحالف الدولي الى «شركاء» في مساعدة الرئيس السوري بشار الأسد للانتصار على خصومه، وهذا يمنح »حزب الله» انتصاراً في الحرب السورية التي ستكون انعكاساتها السياسية مباشرة على الوضع السياسي في لبنان.
وامام هذه الوقائع، تشير اوساط سياسية مسيحية الى ان «الجنرال» يعرف ان زيارته الى «بيت الوسط» لا تقربه من قصر بعبدا، وهو لم يعد يضع في رأس اولويات حواره مع الحريري الملف الرئاسي، وهو يدرك ان الاخير غير قادر على الحسم في استحقاق لا يملك القدرة على البت فيه، والرجلين تجاوزا هذه المعضلة، وثمة اتفاق ضمني على عدم مقاربة هذا الملف بانتظار التطورات الاقليمية الحاسمة، فلا عون يريد احراج الحريري بغياب القرار السعودي، ولا الحريري يستطيع اقناع «الجنرال» بتغيير موقفه من الترشح في ظل حالة الاستعصاء الدولية والاقليمية التي تحول دون تحريك هذا الملف، فيما يرى «الجنرال» ان التطورات تصب في صالحه، ولا شيء يجبره على التراجع، وهذا ما يجعل هذه اللقاءات محصورة في حدود المصالح اللبنانية الضيقة لكلا الطرفين، «فالجنرال» يحاول توسيع حدود مكاسبه السياسية على الساحة المحلية بالتفاهم مع المكون السني، وهي طبعا لن تكون الا على حساب «القوات». هذا ما يزعج «معراب» التي لم تحصل حتى الان عن اجابة واضحة من تيار المستقبل عن الفائدة المحققة لقوى 14آذار من هذا الحوار؟
وبحسب تلك الاوساط، فان الانزعاج «القواتي»لا يقتصر فقط على المضمون وانما يتمحور حول التوقيت، «فالحكيم» الذي يهتم كثيرا بالتفاصيل، يلوم حليفه «الازرق»على حجم الانفتاح الراهن على «الجنرال»فيما يخوض معه حوارا شائكا حول دور المسيحيين في السلطة، بعد وضع الملف الرئاسي على «الرف»، وهذا برأيه يعطي «الرابية» ارجحية تسمح لها بالتشدد في بعض الملفات العالقة من خلال «اللعب» على «حبل» المفاوضات المزدوجة، وكذلك يرغب جعجع في ان يكون «المعبر» الوحيد والرئيسي للجنرال باتجاه قوى 14 آذار، ويخشى ان يحقق التيار الوطني الحرّ مكاسب داخلية على حساب دوره. والامر غير المفهوم بالنسبة الى «القوات» هو غياب اي دوافع مقنعة لدى «المستقبل» لهذا الاحتضان المبالغ فيه للتيار «البرتقالي»، فاذا كانت الحجة في بادىء الامر هي التفاهم على تشكيل حكومة «المصلحة الوطنية» فهذا الامر قد حصل وبات وراء الجميع؟ واذا كان مبرر الحوار مع حزب الله تخفيف الاحتقان المذهبي، فما هو تبرير الاندفاعة نحو عون؟
وفي هذا السياق تشير تلك الاوساط الى ان ما يعزز بواعث القلق لدى «القوات» ادراكها المسبق ان اي محاولة لدفع «الجنرال» الى تغيير مواقفه الاستراتيجية من الصراع الدائر في سوريا، وربط الموافقة على ترشيحه للرئاسة بالابتعاد عن حزب الله، غير مطروح على جدول اعمال الحوار، «والحكيم» يدرك ان رئيس تيار «المستقبل» لا يريد عون رئيسا لانه لا يريد تكرار تجربة والده مع الرئيس اميل لحود، فيومها لم تكن الخلافات الاساسية تتمحور حول الاستحقاقات الخارجية، فهذا الملف كان في يد الادارة السورية للبلاد، وفي هذا السياق يعرف الحريري ان التعامل مع «الجنرال» في الملفات الداخلية سيكون صعبا خصوصا في الملفات الاقتصادية والمالية والادارية، ولذلك من الصعوبة ان يكون عون خيار الحريري للرئاسة، لذلك فان القلق الجدي لدى «الحكيم» ليس هنا، بل خشيته على مكانته الداخلية وقدرته على التاثير على تيار المستقبل، وهو يدرك ان كثير من المحيطين بالرئيس الحريري ينصحونه بالتقرب من عون للتخلص من «نزق» القوات اللبنانية.
وامام هذه المعطيات تتحدث المعلومات عن «رسائل» عتب من «معراب» الى «بيت الوسط» قابلتها «رسائل» تطمينية حول فحوى الحوار وحدوده مع «الجنرال»، لكن ثمة الكثير من الالتباسات ستبقى عالقة وتحتاج الى اكثر من «قمة» تجمع «الحكيم» بالحريري، لان المعضلة الاساسية تكمن في عدم القدرة على «ترسيم» حدود ومساحة دور كل من التيار الوطني الحر والقوات اللبنانية على الساحة المسيحية، وسط نزعة «انتهازية» لدى «التيار الازرق» «للعب»على التناقضات الداخلية، في «زمن» المراوحة الاقليمية والدولية التي جمدت الاستحقاقات الكبرى.