IMLebanon

التهويل بالانهيار الاقتصادي في محلّه: عندما يعجز شهيب يستقيل سلام

يروي أحد الوزراء السابقين أنه سمع من مسؤولين دوليين كبار على هامش مناسبة اجتماعية، نصيحة جدية بضرورة أن يتنبه القادة اللبنانيون، في خضم انشغالهم بحساباتهم السياسية الخاصة وارتباطاتهم بتنفيذ أجندات عائدة الى محاورهم الاقليمية، إلى أن فرصاً كثيرة كانت متاحة أمام لبنان قد يفقدها تدريجاً، عندما ينتقل انشغال العالم في سوريا من الحسم العسكري والتسوية السياسية إلى مرحلة إعادة الاعمار.

شأن سوريا لن يختلف عن شأن إيران بعد توقيع الاتفاق النووي مع الدول الكبرى ودخوله حيز التنفيذ لجهة بدء رفع العقوبات الاقتصادية عن طهران. آفاق جديدة ستفتح في وجه الامارة الفارسية وعلاقاتها مع الغرب.

ثمة أمر يغفله اللبنانيون الموجودون في الحكم ( وحتما ليس أولئك العاملون في القطاع الخاص)، مفاده أن المصالح الاقتصادية تحكم العلاقات السياسية بين الدول لا العكس، كما هي حال البلد الصغير الغارق في أزماته تحت وطأة جشع سياسي لا يشبع.

فالمسألة لا تتوقف هنا فقط على ملفات الفساد والاهدار التي أفسدت الكثير من القطاعات المحلية، والامر ليس محصوراً بالنفايات أو الكهرباء على سبيل المثال، بل الأمر يرتبط في شكل أساسي بعلاقة لبنان مع الخارج والتزاماته الدولية التي لم يتخلف، حتى في الحرب الاهلية، عن الايفاء بها.

ليست النصيحة الدولية التي سمعها الوزير السابق بعيدة عن هذا المناخ. فلبنان المهدد بسمعته وتصنيفه وبالقروض الدولية المعقودة له، لا يعطي هذه الامور الاساسية الحيز الكافي من التعاطي الجدي والمسؤول. كما أن التعويل المحلي على المكوَن المصرفي الذي يحمل عبء الدين ومسؤولية تمويل الدولة وعجوزاتها، ليس سليماً أو صحياً، ذلك أنه على رغم أهمية الدور الذي تقوم به المصارف اللبنانية بالتعاون مع السلطة النقدية، وعلى أهمية الدور المحفز للمصرف المركزي حيال المؤسسات المنتجة، فإن التراجع الذي بلغته القطاعات الاقتصادية لا يمكن ان يستمر طويلاً تحت وطأة المراوحة القاتلة، في انتظار انفراج الوضع الاقليمي، ولا سيما أن الاولوية الدولية عندئذٍ لن تكون حتماً للبنان، بل لسوريا.

ولعلّ هذا ما يبرر ارتفاع الصوت، توسلاً عند رئيس المجلس واستغاثةً عند رئيس الحكومة من أجل لجم الانتحار. وربما أصاب الرئيس نبيه بري عندما وصف الحال بأنه انتحار بما ان الانحلال الذي بلغته الاوضاع في البلاد ليس من فعل خارجي مباشر وإنما نتيجة انسياق لبناني للخارج بات ينسحب شللاً وتعطيلا لأبسط مقومات العمل المؤسساتي في البلاد.

وتشير مراجع سياسية إلى أن جرس الانذار الذي أطلقه كل من رئيسي المجلس والحكومة سترتفع وتيرته في القابل من الايام بعدما بات واضحاً أن التهويل المقبل سيتخذ عنوانين له: أحدهما أمني والثاني اقتصادي – مالي، آملة في أن يبلغ الصدى المالي الذي ارتفعت حدته مع رفع الصوت حول محاذير فقدان لبنان الدعم المالي الدولي المعقود له، مداه، بحيث يؤدي الضغط المتصاعد في الملف المالي إلى كسر حلقة الفراغ والمراوحة التي تدور فيها السلطتان التشريعية والتنفيذية. علماً أن تحذيرات البنك الدولي التي كشف عنها رئيس المجلس ليست جديدة، ولا يزال ثمة متسع من الوقت قبل انتهاء مهلة القرض المهدد والمتعلق بتنفيذ مشروع سد بسري، وقيمته 474 مليون دولار، وذلك بعدما مددت المهلة حتى نهاية كانون الاول المقبل. لكنه يفضل أن تتم المصادقة على التمويل المعقود لان عدم حصول ذلك بحلول نهاية السنة يسقط الاتفاق، فيخسر لبنان التمويل ويعجز عن تنفيذ المشروع الذي يستفيد منه مليون ونصف مليون لبناني، علما أن سقوط اتفاق البنك الدولي، يهدد كذلك بسقوط القرض المقدم من البنك الاسلامي للتنمية، وقيمته 128 مليون دولار، نظرا إلى ارتباطه بتنفيذ مشروع سد بسري أيضاً. لكن في المقابل، تجدر الاشارة إلى ان البنك الدولي ملتزم حيال لبنان وماضٍ في استراتيجية الدعم المقررة مسبقا حتى 2016.

وإذا كان الجهد السياسي منصباً الآن على الدفع في اتجاه عقد الجلسة التشريعية للمجلس النيابي، فإن مصير جلسة الحكومة لا يزال عالقا في انتظار تذليل عقبة المطمر الثاني من أمامها. وكانت لافتة المعلومات التي وردت عن الاجتماع المسائي الذي جمع رئيس الحكومة تمام سلام بوزير الزراعة أكرم شهيب لمتابعة ما آل إليه الملف. وفهم أن سلام أبدى امتعاضا شديدا من استمرار المراوحة، عاكساً عزمه الجدي على الاستقالة إذا لم ينجح في عقد جلسة حكومية تنهي ملف النفايات. وربط سلام موقفه بما سيتبلغه من شهيب الذي حدد مهلة حتى الخميس المقبل، وإلا فأنه سينسحب من الموضوع.