مبالغة في رهان «حزب الله» على نتائج التدخّل الروسي لتغيير موازين القوى الداخلية
تأجيل حل الأزمة السياسية والتعايش مع المشاكل الداخلية لمرحلة إضافية
التدخّل الروسي العسكري لا يعني أن هدفه النهائي إلحاق الهزيمة بالمعارضة وإبقاء الأسد في منصبه كما كان من قبل لأن ذلك مستحيل..
أثار التدخّل العسكري الروسي في الحرب الدائرة في سوريا إلى جانب نظام الرئيس السوري بشار الأسد وحلفائه الإيرانيين الكثير من التساؤلات والتوقعات حول جدواه وفاعليته في تبديل موازين القوى السياسية والعسكرية في الداخل السوري بعد سلسلة التراجعات والانسحابات للجيش السوري من مناطق واسعة أمام تقدّم قوات المعارضة المسلحة، وكيفية تأثير هذا التدخّل وإنعكاساته على واقع الأزمة السياسية اللبنانية وبأي اتجاه يكون، لا سيما بعد التأييد الظاهري للأمين العام لحزب الله حسن نصر الله وتهليله له في إطلالته التلفزيونية الأخيرة ورهاناته بأن وضعية تحالف الحزب السياسية مع «التيار العوني» ستتحسن وتكون أفضل جرّاء هذا التدخل وتحديداً في الصراع الدائر حول انتخابات رئاسة الجمهورية والعديد من القضايا والمسائل الخلافية مع خصومه في «تيار المستقبل» وتحالف قوى 14 آذار.
ترى مصادر سياسية بارزة أن التدخل العسكري الروسي في سوريا يحظى بالحد الأدنى من الغطاء العربي والدولي بالرغم من كل مواقف الاعتراض الخجولة الصادرة عن بعض الدول من هنا وهناك، لأنه وحتى لو كان هذا التدخل في بداياته إلى جانب نظام الرئيس السوري بشار الأسد كما هو ظاهر للعيان وضد قوات المعارضة، إلا أن ذلك لا يعني أن هدفه النهائي إلحاق الهزيمة بالمعارضة وإبقاء الأسد في منصبه كما كان عليه من قبل كما يتخيّل مؤيّدو تحالف دمشق وطهران، بل على عكس ذلك تماماً، لأن ذلك مستحيل في ضوء التبدلات والمتغيّرات التي حصلت خلال السنوات الأربع الماضية وإذا انحرفت مسارات التدخل الروسي نهائياً عمّا هو مرسوم لها أو مرتقب، فهذا سيؤدي حتماً إلى تبدل التأييد أو التغطية الممنوحة له وسيأخذ الصراع الدائر في سوريا منحىً مختلفاً واحتمال مشاركة أكثر من دولة وطرف فيه بشكل مباشر أو بالواسطة، وعندها لا يمكن لأحد التكهن بكيفية إتجاهات الأزمة ونهاياتها.
ومن وجهة نظر المصادر السياسية البارزة فإن الإنطباع السائد حتى الآن مفاده بأنه تمّ الإختيار غير المعلن رسمياً لروسيا لمهمة التدخل العسكري لحل الأزمة السورية مردّه إلى تأثيرها المباشر على النظام وتركيبته ككل وقدرتها على فرض الحل المرتكز على آلية جنيف واحد وتأمين ظروف تشكيل حكومة إنتقالية تؤدي في النهاية إلى إخراج الرئيس بشار الأسد من السلطة والمساهمة في توفير مقومات الإبقاء على ما تبقى من هيكلية الدولة السورية ومؤسساتها وهو هدف تتلاقى عليه موسكو مع الولايات المتحدة الأميركية والغرب عموماً خشية أن يؤدي استمرار الصراع الدائر على النحو السائد حالياً إلى تدمير ما تبقى من مؤسسات الدولة بفعل تراجع سيطرة النظام السوري وتقلص سيطرته على مناطق واسعة من الأراضي السورية، وبالتالي تكرار ما حصل في العراق وليبيا وصعوبة إعادة بناء هذه المؤسسات وبسط سلطة الدولة هناك.
وفي توصيف لها لبدايات عمليات التدخل العسكري الروسي في سوريا واستهدافه لمناطق سيطرة المعارضة المعتدلة أكثر من المناطق التي يسيطر عليها تنظيم «داعش»، لاحظت المصادر السياسية ان ما تقوم به القوات الروسية من عمليات عسكرية وقصف جوي حالياً هو لتثبيت خطوط فاصلة نوعاً ما بين مناطق تواجد وسيطرة الثوار السوريين وبين مناطق تمركز الجيش السوري النظامي في محاولة لمنع استمرار تجاوز الثوار لهذه الخطوط باتجاه ما تبقى من مناطق سيطرة النظام إن كان على طول الساحل السوري وحوله أو في بقية مناطق تواجده في العاصمة وبقية المحافظات والسعي قدر الإمكان لإعادة تجميع ما تبقى من قوات الجيش السوري وتسليحه، وقد يتبع ذلك انطلاق عمليات برية مرتقبة لافساح المجال امام إعادة بسط سيطرة قوات الجيش السوري لمزيد من الأراضي والمناطق الاستراتيجية الأخرى، للافساح في المجال امام طرفي الثوار والنظام لطرح المبادرة السياسية المرتقبة على أساس توزيع القوى المستحدثة على الأرض من جديد وبالتوازن فيما بينهما قدر الإمكان.
وإذ استبعدت المصادر السياسية التكهن بنتائج التدخل العسكري الروسي في سوريا بشكل قاطع بعد أيام معدودة من انطلاق العمليات العسكرية، اشارت إلى انه لا بدّ من انتظار بعض الوقت وترقب مجريات الأوضاع العسكرية على الأرض وملاحظة مؤثرات ما يحصل ميدانياً، ولكن في مجمل الأحوال فإن هذا التدخل اوجد واقعاً جديداً على الأرض وأعاد خلط الأوراق من جديد في الصراع الدائر في سوريا ولا يمكن لأحد تجاهله على الإطلاق.
وتوقعت المصادر السياسية ان يؤدي حدث التدخل العسكري الروسي في سوريا إلى نتائج ومتغيرات مرتقبة في المنطقة ككل ولبنان من ضمنها بالطبع، إن كانت هذه النتائج سلبية أم إيجابية. ولكن في كلتا الحالتين فإن هذا الواقع الجديد فرض على لبنان مرحلة جديدة من الانتظار تضاف إلى المراحل السابقة منذ بداية انطلاق الثورة السورية ضد نظام الأسد، وهذا الواقع يتطلب التعايش مع الأزمة السياسية المتواصلة مع استمرار تأجيل حل ما ينبثق عنها من مشاكل وقضايا أخرى إذا ما استمر «حزب الله» وحلفاؤه على المراهنة على التدخل الروسي وقبله تدخل الحزب وإيران في الحرب السورية وهو يعني الدوران في حلقة مفرغة في حين ان تغيير موازين القوى السياسية الداخلية في لبنان بتأثير التدخل الروسي في سوريا ليس سهل المنال كما يراهن البعض على ذلك.