«موجودون قبلك ومعك وبعدك» عبارة لا يبدو ما بعدها كما قبلها بين ضفتي «بنشعي» و«الرابية» بعدما حلّت على طاولة الحوار بمثابة «الشعرة التي قصمت ظهر البعير.. وقطعت شعرة معاوية» بين الضفتين الرئاسيتين.
لا ريب أنّ مداخلة مندوب العماد ميشال عون إلى طاولة أقطاب الحوار كان لها الوقع الأساس في تأجيج الموقف ورفع منسوب الاحتقان قياساً على حالة النفور وانعدام الهالة الكاريزماتية المحيطة بالوزير جبران باسيل في واحدة من الحالات والهالات النادرة التي تحوز شبه إجماع من قبل مختلف أطراف «هيئة تشخيص» الحوار، لكنّ الأكيد أنّ الردّ الحازم والحاسم من جانب النائب سليمان فرنجية لم يكن مبنياً على مجرد الاستفزاز الذي تشكله الحالة «الباسيلية» اللاكاريزماتية بين معظم السياسيين بل على سلسلة التراكمات والاستفزازات السياسية والرئاسية التي فاض بها «الجرن» الزغرتاوي واضطر معها فرنجية إلى «بقّ البحصة» في وجه محاولات الاستخفاف العوني بحيثيته التمثيلية تحت عناوين ظاهرها «ميثاقي» وطني وباطنها «إلغائي» مسيحي.
وعلى قدر استشعاره بالخطر الوجودي على الخارطة المسيحية جاء رد فرنجية وجودياً: «لكم وجودكم ولنا وجودنا ولا قدرة لكم على إلغاء الآخرين»، فهل يترجم ردّه الرئاسي على مصادر النيران العونية «بلدياً»؟
سيناريو بات مشروعاً إطلاقُ العنان لتخيّله على شكل معارك مسيحية مقبلة على ساحة الانتخابات البلدية المرتقبة في أيار، تأكيداً أو تبديداً لنسبة الـ86% التي تتحدث عنها الإحصاءات العونية في معرض تسخيف حجم الخصوم الرئاسيين وفي طليعتهم فرنجية.
ولأنّ الاستحقاق البلدي يصلح أن يكون مسيحياً «بروفا» تمثيلية واقعية للاستحقاق الرئاسي أصدق إنباءً من أي استطلاع أو إحصاء، تتجه الأنظار إلى ما سيتمخض عن صناديق البلديات المسيحية من نتائج لا شك أنها ستأتي بمثابة الاختبار العملي الأول لتجسيد النسب المئوية التي تؤكد امتلاك العونيين أكثرية الـ86% على الساحة المسيحية بعد اتفاق معراب.
على أرض الوقائع التمثيلية، تشي المعطيات المتوافرة بأنّ الرياح «البلدية» تجري بغير ما تشتهي سفن الرابية «الرئاسية» تحت وطأة عدم القدرة العونية على حسم الأكثرية المسيحية في عدد من المناطق باستثناء كسروان وجزين، سواءً في المتن الشمالي حيث معروفة الحيثية التمثيلية الوازنة والمكانة البلدية الطاغية للنائب ميشال المر، أو في زحلة حيث الثقل التمثيلي لآل سكاف معلوم تاريخياً وجرى تكريسه بلدياً خلال الانتخابات الأخيرة على يد الزعيم الزحلي الراحل الياس سكاف، أو في مدينة جبيل حيث يتربع زياد حواط على رأس بلديتها بتأييد من أكثرية أبناء المدينة، أو في الكورة حيث تصبّ الأكثرية المسيحية أصواتها في مصلحة نائب رئيس مجلس النواب فريد مكاري يليه «المردة» وحليفه «القومي».
وإذا كان من نافل القول إنّ زغرتا محسومة أكثريتها المسيحية والبلدية لزعيم تيار «المردة»، يبقى السؤال عن أكثرية مدينة البترون معقل رئيس «التيار الوطني الحر» صاحب إحصاء الـ86%؟ سؤال أربكت الإجابة عنه بعض القيادات العونية وسط معلومات متضاربة حول مصير الاستحقاق البلدي في المدينة بين محبّذٍ للمعركة وداعٍ إلى التوافق مع فرنجية. وبين هذا وذاك يحسم أحد هؤلاء العارفين بتوجهات باسيل أنه «مضطر» إلى تأييد رئيس البلدية الحالي مارسلينو الحرك (صديق فرنجية) لأن البديل من هذا التأييد سيودي به إلى معركة انتخابية خاسرة سلفاً تصب حكماً في مصلحة الحرك.. وتالياً فرنجية.
.. لعلّها الصورة نفسها التي بدا فيها «مُطأطأ الرأس» أمام فرنجية على طاولة الحوار، تحكم باسيل بلدياً أيضاً في مسقط الرأس! أم أنّ صمته المطبق على «الطاولة» لا ينمّ عن عجز مطلق عن المواجهة؟ امتحان البترون قادم، فهل يجازف باسيل ويواجه؟