حكايات الانتخابات البلديَّة والاختيارية، على بساطتها، تكاد تتحوَّل أوَّل وأهم المؤشِّرات السياسيَّة، والوطنية، والمصيريَّة لوطن الثماني عشرة طائفة، والثماني عشرة دويلة، والثمانية عشر موقفاً ورأياً.
من هنا القول إنه لا بدَّ من التوقُّف والتأمُّل طويلاً أمام الحَدَث اللبناني الجديد، والمتمثِّل بالانتخابات البلدية والاختياريَّة.
حتى في الزمن الجميل وزمن ازدهار الديموقراطية و”النظام البرلماني الأوحد” في هذه المنطقة، الدائمة الغليان، كانت سياسية الناطور والمختار مضرب مَثَل… هزَّ ذات يوم عهد الشيخ بشارة الخوري وأطاح رئاسته.
فالاستحقاق البلدي – الاختياري في هذه المرحلة الحرجة، والمزروعة بالألغام والمفاجآت، يعني الكثير. وينطوي في مضمونه على أبعاد سياسيَّة تتصل مباشرة بالتركيبة اللبنانية، والصيغة اللبنانية، والنظام اللبناني، وميثاق العيش المشترك في ظروف كثيفة التعقيد يتأرجح فيها لبنان الفراغ الرئاسي منذ عامين. ولبنان المضيف لأكثر من مليون ونصف مليون سوري، فضلاً عن الاستضافة المزمنة لنصف مليون فلسطيني.
خلال حقبة حروب جهنمية تهشِّم بعنفها وضراوتها معظم دول المنطقة العربية وأهمها، يطلُّ لبنان من مسرح ديموقراطيته المسربلة بألف عقدة وعقدة، ليعلن على الملأ أنه أعدَّ العدَّة الكاملة، واتخذ كل الاجراءات التي تتيح للبنانيين الاقدام على امتحانهم الأول، وبعد طول غياب، في صناديق المجالس البلدية والاختياريَّة. وعلى كامل الأراضي اللبنانية. وهنا يكمن الجزء الآخر من مسلسل مفاجآت تجربة انتخابية كادت تصبح من الذكريات…
في ضوء هذه الوقائع والحقائق والحالات، يعلن اللبنانيون موافقتهم، بل تأييدهم لإعلان وزير الداخلية نهاد المشنوق أن هذه الانتخابات قد تكون أهم انتخابات يجريها لبنان منذ مدة طويلة. ومن خلالها نُعيد الاعتبار الى النظام ومبدأ الانتخابات بموجب الدستور، وكذلك تداول السلطة.
نعم، نظامنا هو مطابق تماماً لما وصفه به الوزير المشنوق: فهو يعاني مشكلات كبرى، وضمن منطقة لا تحتاج الى من يعرّفُ عنها أو يتحدَّث عن جحيمها.
فهذه الانتخابات، التي ستجري وسط هذه الأجواء، مطلوب منها تقديم البرهان الساطع على ثبات آخر المؤسسات الدستورية التي تعمل، مع مقومات اقناع للجميع “اننا ما زلنا قادرين على تقديم نموذج جيِّد عن نظام “مشلَّع”، والعيش المشترك، ولبنان الواحد…
تجربة الانتخابات البلدية والاختياريَّة تفسح في المجال للجميع، جميع الأفرقاء السياسيين كما جميع المتزعمين، لإعطاء البرهان الواضح عن حرصهم على لبنان بكل مؤسساته و”محتوياته” و”عاهاته” كذلك. وهنا الامتحان الأصعب للجميع.
وهذا أمر حَسَنٌ ومرحَّبٌ به.