بعد أيام تنطلق الامتحانات الرسمية في لبنان في موعدها الطبيعي، وكأننا أمام مشهد مختلف عن السنوات السابقة. هدوء على جبهتي التربية والرابطات والمعلمين، وكأن لا مطالب ولا حقوق ولا إصلاحات، والأهم أن لا أحد يتحدث عن تقويم ما جرى العام الماضي، من منح إفادات. والمفارقة أن هيئة التنسيق النقابية ومكوناتها تتخبط في مواقفها وتعيش حال ارتباك او الأصح شبه انهيار في التعامل مع مطالب قواعدها وفي موضوع الامتحانات، بالاضافة الى التحاقها بالقوى السياسية على مقلبي 8 و14 آذار بعد انتخابات الرابطات الأخيرة، ما يطرح أكثر من علامة استفهام حول مستقبلها وإمكان استمرار تماسكها وتحركها لنيل حقوق المعلمين والموظفين.
وإذا كان إجراء الامتحانات وعبور هذا الاستحقاق التربوي، لما يعنيه لمئات الألوف من اللبنانيين، مسألة في غاية الأهمية، الا ان التساؤل عن المرحلة التي تلي الامتحانات، اي وضع أسس التصحيح وتصحيح المسابقات، وهي المسألة التي دارت حولها في نهاية العام الدراسي السابق، معارك ساخنة وشد حبال ومقاطعة انتهت بمنح افادات للتلامذة في مرحلتي البريفيه، والثانوية بفروعها الأربعة، وتركت انطباعات سلبية وتأثيرات مسيئة للشهادة الرسمية اللبنانية، لم يتصدَّ بموجبها أحد للسؤال عمن يتحمل المسؤولية؟ وعما اذا واجهت التربية وهيئة التنسيق محطات مماثلة؟ وما الذي يجب فعله في المنعطفات التي تمس التربية والرأي العام والأهالي والأكثرية الساحقة من اللبنانيين، بالإضافة الى المستوى والمستقبل، وما إذا كان ممكناً رفع العمل النقابي الى مستوى التحديات؟ وهل نشهد تجاذباً حول التصحيح مطالبة بالسلسلة أم أن الامور محسومة لمصلحة التصحيح هذه السنة؟
سنسأل عن الحسم في إجراء امتحانات نزيهة، وفق ما يؤكد وزير التربية، وسنسأل أيضاً عن موقف الرابطات وطريقة تعاملها مع هذا الاستحقاق، وما اذا كان موقفها واضحاً وشفافاً وغير مرتبط بحسابات سياسية قد تظهر في مواقيت مختلفة. فكيف يمكن الثقة بهيئة التنسيق التي تقرر الإضراب ثم تتراجع عنه في اليوم التالي طلباً للسلسلة؟ وكيف يمكن الوثوق برابطات باتت تتحرك وفق الحسابات والأهواء السياسية للقوى التي تهيمن عليها؟ وهذا امر أخطر بكثير من مقاطعة الامتحانات والتصحيح بعنوان نقابي، بغض النظر ما اذا كان خطأً أو صواباً. وستدرك النقابات والرابطات أو قواعدها على الأقل، أن قراراً بالمقاطعة لا يحقق مطلب السلسلة التي رحلت الى أجل غير مسمى. فتحقيق المطالب يتم من خلال تراكم في العمل النقابي المستقل الذي يعبر عن مصالح المعلمين والموظفين، والذي يعبر عنه بمواقف واضحة ونقد شفاف وتقويم مستمر وقياس الخسائر والأرباح ودرس الجدوى لأي قرار، وبالتالي هو عملية شاملة لا يمكن فصلها عن اصلاح التعليم. لذا، فلتخرج الرابطات من أوهامها!