Site icon IMLebanon

تجاوز المهل وتلفيق البدع: نظام لبناني مرتاح لهشاشته

 

في لحظة تألّق الثورات الربيعية على الأنظمة، وجد في لبنان من يسوق لكون الشعوب العربية سبقت الشعب اللبناني في حركة الانتقال نحو الديموقراطية، بحيث تظهر النظام الطائفي بالياً، أكلَ عليه الدهر وشرب.

ثم انتقل التفاؤل المفرط الى تشاؤم حاد حيال الربيع، فأخذ قسم متزايد من اللبنانيين يتصارح بأنّ «الديموقراطية الطائفية» على هشاشتها وسرعة العطب الملازمة لها والطابع التمييزي واللامساواتي بين المواطنين الذي تنحو اليه، والسمة الزبائنية التي تلازمها، والفطريات الضارّة التي تنمو على تخومها أو في أحشائها، انما تبقى أهون حالاً من الأغلال التي يجري تخيير الشعوب العربية المحيطة بين أصنافها، والتي ظهر أنّ زلزال الربيع العربي لا يكفل وحده تفتيتها، بل أنّها تفتح الأبواب أمام ظهور قوم هاجوج وماجوج من كذا صنف. 

هل يتقدم العرب ويتراجع اللبنانيون؟ أم يبقى اللبنانيون على حالهم ويتراجع العرب؟ 

يختلف الوضع اليوم مع الفراغ الحكومي الذي لم يوضع له حد الا لتمكين البلد من معايشة أفضل لفترة الفراغ الرئاسي، ثم مع التمديد الذاتي الثاني للمجلس النيابي، وطغيان دعوات الهرج والمرج سبيلاً للتعاطي مع انتخابات الرئاسة، بدلاً من الاحتكام لمواد الدستور وآلياته، واظهار حس المسؤولية الوطنية بازاء تمادي فترة الشغور شهراً في اثر شهر.

الصورة هنا لم تعد تسمح بالاسترسال على طول الخط في الحيرة، ما اذا كانت تحولات العرب أفضل مما يحصل في لبنان، أو كان ما هو حاصل فيه على رتابته أفضل، وان كانت المفاضلة ستجدد بطبيعة الحال، مع الاستحقاق التونسي الراهن مثلاً بشقيه التشريعي والرئاسي. يبقى أن تجدّد هذه المفاضلة سيظل كلاماً بعيداً عن التأثير في الواقع.

فالواقع اللبناني يظهر شيئين في وقت واحد. استفادة النظام الطائفي من انهيار مجتمعات ونصف انهيار أنظمة في المحيط ليظهر أنّه يبقى أهون حالاً وأكثر رحابة للناس كي تتنفس. ومن جهة ثانية، خروج هذا النظام المتزايد عن المهل الدستورية الزمنية، في مسار يضبط ايقاعه في المقام الأول «حزب الله»، أي الطرف المتدخل في الحرب الأهلية في سوريا المجاورة الى جانب قوات النظام. 

وإضافة الى ضرب عرض الحائط بالمهل الدستورية، واعتبار انتخابات الرئاسة غير مرهونة بأمد أو بأجل، تسمح هذه المحنة بتلفيق دعوات لاعتماد قواعد لعب وتصنيف واختيار لم ترد في دستور، بل لا دستور أصلاً عندما تطرح أمثالها، من مشروع قانون «كل طائفة تنتخب نوابها»، الى شرطية «حصر المرشحين باسمين «.

الى حد كبير، فإن الخبو الذي أصاب الحراك الشعبي في البلد، هذا الحراك الذي ازدهر تحديداً ابان «انتفاضة الاستقلال»، مسؤول عن التشمّع المتعاظم للنظام السياسي واندثار معالم الحياة والحيوية فيه، الى الدرجة التي تسمح بهذا التجاوز الفظ للمهل الزمنية للاستحقاقات الدستورية، أو لهذه البدع اللادستورية التي تعرض علينا عند كل منعطف. هذا الخبو للحركة الشعبية لا يعالج بدعوات «استنهاضية» مكابرة عليه، لكنه أيضاً لا يستعاض عنها بنشاطية «مجتمع مدني» محصورة. واذا كانت «الطبقة السياسية» كما توصف، في اصطلاح ملتبس جداً، قد ركبت في السابق موجات الحركة الشعبية وطوعتها جزئياً أو كلياً لحسابها، فإنّ صلة الوصل بين الحراك الشعبي الغائب وبين الطبقة السياسية المكررة هي صلة مفقودة، لا تنمي منطق عودة الحراك الشعبي، بقدر ما تنمي غيابه، ولا تؤسس لتغيير على مستوى الطبقة السياسية، بقدر ما تؤسس لمنطق الانتقال من تعطيل الى تعطيل، ومن فراغ الى آخر، وهذا منحى انحداري بدوره لا يمكن أن يتوقف عند هذا الحد، فالفراغ الرئاسي بالتحديد يدل على مدى خبو الحركة الشعبية، ومبلغ تأكّل الطبقة السياسية.