Site icon IMLebanon

ظروف استثنائية مخترعة  وفراغ طويل منظّم

كان تشرشل يقول ان أفضل حجّة ضد الديمقراطية هي محادثة لخمس دقائق مع ناخب عادي. لكن الانطباع السائد حالياً في لبنان يؤكد العكس تماماً: ما فعله وقاله الناخب العادي في الانتخابات البلدية وعنها هو أفضل برهان على تعلق اللبنانيين بالديمقراطية وقدرتهم على ممارسة الانتخابات عندما تجرؤ السلطة على اجرائها. فالتجربة الناجحة في المرحلة الأولى من الانتخابات البلدية أحرجت الذين امتنعوا عن اجراء الانتخابات النيابية في موعدها الدستوري عام ٢٠١٣، وفتحت شهيّة الكلام على اجرائها الذي تبيّن انه ممكن. والتجربة الفاشلة والخطرة على مدى عامين لادارة السلطة من دون رئيس للجمهورية كشفت أوراق الجميع، بحيث وصل بنا الجدل حول الأولوية، وهل هي للانتخابات الرئاسية أو النيابية، الى حصيلة عملية مدمرة: لا انتخابات نيابية ولا رئاسية.

واللعبة ضمن خطة منهجية، بصرف النظر عن بعض الارتجال. فالذين أخذوا الجمهورية الى الشغور الرئاسي كانوا يعرفون انه سيكون طويلاً لأسباب في العمق تختلف عن الأسباب الظاهرة على السطح. والذين ارتكبوا فعل التمديد مرتين للمجلس النيابي كانوا يعرفون ان الظروف الاستثنائية التي برّروا بها التمديد هي ظروف مخترعة أو مصنوعة، لأن السبب الحقيقي هو الخوف من الانتخابات الذي هو محرّك الخلاف على قانون الانتخاب. والمجلس الدستوري كان يعرف خرافة الظروف الاستثنائية القاهرة وحقيقة وظيفتها في مصالح التركيبة السياسية.

لكنه كان مضطراً لتصديق الخرافة في ظلّ الحاجة الى المواءمة، بحيث جاءت الحيثيات دستورية ضد التمديد والقرار سياسياً بقبوله المشروط بضرورة تقصير الولاية الممددة عندما تزول الظروف الاستثنائية.

ولم يتأخر الفقهاء الدستوريون في القول ان نظرية الظروف الاستثنائية سقطت بمجرد اجراء انتخابات بلدية. ولا تردد أهل التمديد في الدعوات الى إجراء الانتخابات النيابية حسب قانون انتخاب جديد، وإلاّ حسب قانون الستين. واذا كان البرهان الوحيد على طعم الحلوى هو تذوقها كما يقول المثل، فان التفاهم عى قانون انتخاب يضمن التمثيل الشعبي السليم والصحيح هو المادة المهمة للنجاح أو الفشل في الامتحان. وهي مادة قضى النواب ثماني سنوات في دراستها من دون التوصل الى نتيجة. والسبب ليس العجز عن التوافق على صيغة بل القدرة على ابقاء الانتخابات خارج جدول الأعمال.

ومن الصعب الرهان على نهاية قريبة للتمديد. فالصدقية ليست الأمر الوحيد الذي تفتقر اليه التركيبة السياسية، وقمة البؤس السياسي ربط قانون الانتخاب واجراء انتخابات رئاسية ونيابية بالتحولات الجيوسياسية تحت النار في المنطقة والتي لا أحد، حتى الكبار في الشرق الأوسط والعالم، يعرف متى وكيف والى ماذا تنتهي.