راكم الرئيس نبيه بري والدكتور سمير جعجع نقاطاً مشتركة على مدى السنوات القليلة من العلاقة غير المباشرة ما بين عين التينة ومعراب، حيث لم تخرق أية عبارات تصعيدية أو اتهامات الخطاب بينهما. ويبدو جلياً أن لا رغبة لدى الرجلين بإعادة التموضع على المستوى الوطني في اتجاهات مضادة، على الرغم من وجود نوع من التباين والخلاف في عناوين سياسية كبرى.
ولخّصت مصادر مقربة من القوات القوات اللبنانية أن العلاقة لم تخرج يوماً عن إطار الخصومة الشريفة في الملفات السياسية كما النقابية، وكذلك الإقتصادية والإجتماعية، حيث أن الإحترام المتبادل لم يتحوّل مرة إلى مواجهات كلامية، خصوصاً على مستوى القيادات الحزبية، حيث حرص جعجع، وفي ظل الإنقسام السياسي في فترة الشغور الرئاسي على استعمال عبارات الإحترام خلال الحديث عن رئيس المجلس النيابي.
لكن هذه الإيجابية، لم تؤدِّ في السابق إلى أي تقارب سياسي تضيف المصادر، ولكنها لا تعني أن أفق التعاون الإنتخابي بينهما مسدود في دوائر معينة، إذ اعتبرت المصادر أن كل فريق لديه وجهة نظر خاصة في المسائل الوطنية، كما سجّلت أن «القوات» لم تنتخب الرئيس بري رئيساً لمجلس النواب في العامين 2005 و2009، ولكن هذا لم يحل دون أن تحافظ العلاقة على متانة معينة، أساسها الإحترام المتبادل والتقدير لمواقف الرئيس بري الوطنية.
وذكّرت المصادر نفسها، بأن جعجع أعلن في محطات سابقة أن بري هو «أب الميثاقية في لبنان» وأنه حريص على اتفاق الطائف، ولذلك، فإن «القوات» تنظر إليه من منطلق حرصه على عدم تحريف هذا الإتفاق باتجاه مثالثة أو مرابعة أو مخامسة. ولذلك، فإن «القوات» تسجّل للرئيس بري مواصلته ترجمة هذا التمسّك بالدستور في هذه الظروف، عندما رفض سياسة عزل «القوات» وساهم في إسقاط كل محاولات إخراج «القوات» من الحكومة. وبما أن لبنان بحاجة ماسّة إلى روحية اتفاق الطائف، فإن «القوات» رفضت، ولا تزال، ترفض الدخول في الخلاف الدائر ما بين رئيسي الجمهورية والمجلس النيابي، كونها تعتبر أن الموضوع محصور بالرؤساء الثلاثة المخوّلين تسويته، وترفض الدخول لمصلحة فريق ضد الآخر، مع العلم أنه من الضروري حلّ هذا الخلاف بأسرع وقت ممكن كي لا يؤثّر على الإستقرار السياسي.
أما على المستوى الإنتخابي، فقد أفادت المصادر نفسها، نقلاً عن أوساط حركة «أمل» و«القوات»، بأنه لم يتم التطرّق حتى الساعة لأي نقاش في الإستحقاق النيابي المقبل، مشدّدة على أن «القوات» تتعاطى مع الرئيس بري، كرئيس للمجلس، وكممثّل لحيثية شيعية كبيرة على مستوى البلاد. وبالتالي، فإن هناك تقدير لدور رئيس المجلس الذي رفض الإنجرار في الخطاب السياسي التصعيدي الأخير ضد المملكة العربية السعودية، وضد عمق لبنان العربي، وأبقى على علاقات متوازنة مع الدول العربية، وأظهر عن حكمة سياسية بطريقة مقاربته للأمور المتّصلة بالواقع السياسي اللبناني بعيداً عن مغامرات تهزّ هذا الواقع، وتضرب مؤسّسات الدولة.
وفي هذا المجال، فإن تعاون الرئيس بري مع الرئيس سعد الحريري والنائب وليد جنبلاط، قد تعرّض لبعض التعديلات بعد اقتراب الرئيس الحريري من رئيس الجمهورية، وبالتالي، فإن «القوات» لم تحبّذ الدخول في أي تحالفات بحسب المصادر، كونها تنسج تحالفاتها انطلاقاً من معاييرها الوطنية والسياسية، وهي تجد أنه من المبكر حصر التحالفات مع فريق واحد، مع أن العدّ العكسي للترشيحات قد بدأ، وكذلك بالنسبة للتحالفات، حيث أن كل الأطراف بدأت اعتباراً من مطلع العام الحالي إجراء «بوانتاج» سياسي، وهناك مجموعة من التقاطعات البعيدة عن الأضواء تتم بين معظم القوى السياسية. ومن هنا، فإن «القوات» المنفتحة على ترشيحات مختلفة، تحرص على الحفاظ على عنوان واحد لمعركتها الإنتخابية هو قيام الدولة الفاعلة، وإنهاء ما يسمى ب»دولة المزرعة».
ومع دخول الساحة السياسية مرحلة جديدة باتت فيها كل الحسابات مطروحة، تحدّثت معلومات، عن أن التقاطع بين «القوات» وحركة «أمل»، وإن لم يبحث بشكل عملي، فإنه وارد في بعض الدوائر الإنتخابية، حيث سيحصل عمليات تبادل في أصوات المقترعين المنتمين إلى حركة «أمل» وإلى «القوات»، وذلك على غرار ما سيحصل بين «التيار الوطني الحر» و«حزب الله». وقد شدّدت المعلومات، على أن الموضوع لم يحسم بشكل نهائي بانتظار المزيد من التواصل، لأن الأمور مرهونة بأوقاتها، كما أن للرئيس بري حساباته في هذا المجال، حيث أن أي تقاطع بين الحركة و«القوات» قد يؤدي إلى خلل في العلاقة مع الحزب الذي يحرص على أن لا يكون لـ«القوات» تكتل نيابي كبير.
وخلصت المعلومات، إلى أن القانون الإنتخابي الجديد، سيحمل مفاجآت إنتخابية، إذ لا يمكن توقّع أية تحالفات ثابتة باستثناء تحالف حركة «أمل» و«حزب الله» فقط، وبالتالي، لا يمكن الكلام عن حسم أي اتجاه نحو تحالفات ثابتة، لأن لكل طرف حساباته مهما كان التعاون السياسي قوياً بين أطراف معينة.