Site icon IMLebanon

“لعبة الدولار” أرهقت اللبنانيين: لا أسس علمية لانخفاضه وارتفاعه

 

سعر الصرف لا يخضع لعوامل اقتصادية ومالية والسوق لا يتمتع بالكفاءة اللازمة

 

 

منذ بدء الازمة الاقتصادية، لم يشهد المواطن اللبناني “يوم خير”، فالإصلاحات والخطط ما زالت على الأوراق، بعيدة جداً عن التطبيق، كلها وعود فارغة. ولكن مع ولادة الحكومة الجديدة، شعر المواطن بالارتياح، فانخفض سعر الصرف بشكل دراماتيكي وموقت، ليعاود ارتفاعه الكبير الذي وصل الى الـ20000 ليرة. فهل هناك من تفسير لذلك؟

 

الذلّ يلاحق الشعب اللبناني في يومياتهم. فمن ذلّ الدواء الى ذلّ الاستشفاء، فطابور البنزين والخبز والغاز وغيرها، كلها بسبب “جنون الدولار”. كان من المفترض أن يواصل الدولار إنخفاضه مع تشكيل الحكومة الجديدة، ولكن المماطلة في اتخاذ القرارات وعدم البدء بالإصلاحات الجوهرية أدت الى ارتفاع الدولار من جديد. وها نحن اليوم أمام المزيد من الإنهيار لسعر الصرف اضافة الى رفع الدعم عن الحاجات الاساسية واليومية. فهل هناك أي تبرير اقتصادي يفسر إنخفاض سعر الصرف كونه لم يتحسن أيّ مؤشر اقتصادي في البلد؟

 

لا سقف لإرتفاع الدولار

 

“القرار الشعبوي هو عندما تخلفنا عن دفع مستحقات سندات اليوروبوند بغياب أي خطة اقتصادية وهو الذي افقر الشعب اللبناني ولم يعد لسعر صرف الدولار من سقف محدد، خصوصاً في ظل غياب اتفاق مع صندوق النقد الدولي”، يقول الأستاذ المحاضر في التمويل الدولي في الجامعة اللبنانية الاميركية جهاد الحكيّم، وهو أول من قال أنه لن يكون هناك سقف لسعر الليرة مقابل الدولار اذا تخلفنا عن دفع هذه المستحقات.

 

وعن اسباب ارتفاع الدولار مجدداً يقول الحكيّم: “يبقى السؤال الأهم الذي يجب طرحه هنا: لماذا من الأساس انخفض سعر الصرف؟

 

• فسعر الصرف في لبنان لا يخضع لعوامل اقتصادية ومالية بحتة فهو ليس بسوق يتمتع بالكفاءة اللازمة (Efficient Market)، وبالتالي لا يمكن تفسير التقلبات الحادة بعوامل مالية واقتصادية بحتة انما أيضاً بعوامل أخرى ليس لديها دائماً أسس علمية.

 

• كما ومن أهم أسباب ارتفاع الدولار هو عجز الحساب الجاري في ميزان المدفوعات على الرغم من تدفق تحويلات المغتربين الى لبنان، فهي غير قادرة على إحداث التوازن. اضافة الى غياب إمكانية جذب ودائع من غير المقيمين بعد انهيار القطاع المصرفي وصعوبة الحصول على استثمارات خارجية مباشرة في ظل التوترات الحاصلة في البلاد.

 

• خروج المزيد من العملة الصعبة من البلاد بسبب زيادة سعر النفط عالمياً.

 

• تبين أن الحكومة الجديدة عاجزة، خصوصاً بعد التوترات الأمنية والسياسية التي أظهرت هشاشتها. كما أنه حتى الساعة يبدو أنها لن تتمكن من الحصول على تمويل من الخارج في القريب العاجل وهي لم تبدأ بالإصلاحات بعد. وكان قد ذكر وزير الاقتصاد أنه لا تمويل قبل الانتخابات، والتمويل يستهدف أكثر من ملياري دولار من صندوق النقد (وهو رقم متواضع بالنسبة لما كان يروَّج له من قبل السياسيين واقتصاديّي البلاط)، الامر الذي أدى الى المزيد من ارتفاع الدولار.

 

إذاً إن انخفاض الدولار فور تشكيل الحكومة كان اصطناعياً وموقتاً، لعدة أسباب منها: لدعم حكومة نجيب ميقاتي وزرع الأمل والتفاؤل لدى الشعب اللبناني والتخفيف من الآثار السلبية على المواطن جراء رفع الدعم، وليتمكن مصرف لبنان من تمديد صرف الودائع الدولارية على اساس الـ 3900 ليرة للدولار الواحد بعدما كانت المطالبة برفعها الى 10000 ليرة للدولار الواحد. بالإضافة إلى إتاحة الفرصة لمصرف لبنان والمصارف لشراء الدولار من السوق بتكلفة أقل.

 

“تعديل” الأجور ليس الحل

 

ويشرح الخبير الاقتصادي وليد أبو سليمان “أن مسار الدولار في الأساس كان تصاعديّاً منذ بداية الأزمة، وبما أن الحكومة الجديدة لم تكتسب ثقة الشعب، ما دفعهم الى التخلص من الليرة وشراء الدولار بسبب الهلع مع ارتفاع سعر الصرف، الأمر الذي أدى الى المزيد من الإرتفاع”. وعن احتمال تعديل الحد الأدنى للأجور يقول: “أي رفع للأجور بطريقة عشوائية وغير مدروسة سيؤدي الى زيادة التضخم وارتفاع متواصل في سعر الصرف، لأنه من جهة هناك نقص كبير في واردات ميزان المدفوعات ما يؤدي الى طبع المزيد من العملة الوطنية لتسديد الأجور، ومن جهة أخرى يؤدي الى اقفال متسارع لعدد كبير من المؤسسات الخاصة غير القادرة على تغطية الأعباء الإضافية وبالتالي سنشهد المزيد من الارتفاع في اعداد العاطلين عن العمل”.

 

مساعدات صندوق النقد الدولي ليست كافية!

 

“لن يحصل أي اتفاق مع صندوق النقد الدولي قبل توزيع الخسائر والتوافق على توحيد الأرقام”، يقول أبو سليمان، “وتشكيل لجنة لبدء التفاوض مع صندوق النقد خطوة ايجابية، ولكن العمل الجدي يبدأ عند الاتفاق مع الصندوق، وليس مع بدء التفاوض”. بدوره يشدد الحكيّم “على ضرورة التوجه نحو إبرام برنامج مع صندوق النقد الدولي، مع العلم أنه لن يزوّدنا بالمليارات التي يعوّل عليها السياسيون، أي 10 مليارات، فتبين أن التمويل للبنان سيقتصر على حوالى 4 مليارات دولار، والرقم هو مطابق لما ذكرته منذ سنة ونصف بأن التمويل سيكون عبارة عن 3.5 إلى 4 مليارات، كما أنه سيكون على عدة مراحل وفق شروط جدية وصارمة، مع مراجعة فصلية لمدى تطبيق الإصلاحات التي سيتم الاتفاق عليها”.

 

عادةً، في نظام سعر الصرف الثابت وللحفاظ على سعر الصرف المطلوب، يقوم البنك المركزي ببيع العملات الأجنبية من احتياطياته وإعادة شراء الأموال المحلية، ليخلق بذلك طلباً مصطنعاً على النقود المحلية، مما يزيد من قيمة سعر الصرف. ولكن احتياطي مصرف لبنان بالعملات الأجنبية تقل يوماً بعد يوم وخاصة لأن سياسة الدعم التي كانت تتجه إليها الدولة اللبنانية خلال السنوات الماضية كانت خاطئة، ما أدت الى انهيار الليرة اللبنانية. فعلى أي أساس تعمل الحكومة على خفض سعر الصرف إلى 12 ألف ليرة واحتياطي المركزي من العملات الأجنبية غير متوفر؟ وأين تبخرت البطاقة التمويلية؟ فهل يصح رفع الدعم من دون ايجاد أي وسيلة أخرى ليتمكن الشعب من تأمين حاجاته اليومية؟