IMLebanon

من التفاهم البحري إلى التفاهم الداخلي

 

 

السؤال الذي يتبادر الى ذهن كل اللبنانيين، وحتى المؤسسات الدولية، هو الرابط المباشر وغير المباشر حيال سعر الصرف، وعملية الإتفاق على الحدود البحرية. فهل من رابط بين الأمرين؟

إقتصادياً، يرتبط سعر الصرف بعوامل تقنية، ومالية، وإستثمارية، وإقتصادية عدة. أما في لبنان، فإن هذه العوامل الظاهرة تُمثل الشق الظاهر «في جبل الجليد». لكن القسم الأكبر والمختبىء في الـ«Iceberg» هو العوامل والإتفاقات السياسية والتدخلات المختبئة والأيادي السود المدمّرة، والوعود الوهمية.

 

إن سعر الصرف يرتبط بالإستثمارات وتدفق الأموال، بالعملات الصعبة، (الدولار واليورو)، فعملية الإتفاق على الحدود البحرية، ليست اليوم أكثر من بعض النوايا الإيجابية، لكن الإستثمارات المباشرة وغير المباشرة لن تكون قبل المدى المتوسط والبعيد. أما المردود على بيع ثروتنا النفطية فسيتطلّب سنوات عدة من الإستقرار، والحوكمة الرشيدة، والإتفاقات الدولية.

 

نشدد أيضاً على أن سوق الصرف يرتبط أساساً بالإستثمارات الداخلية وخصوصاً الخارجية التي تستقطب وتضخ سيولة بالعملات الصعبة في السوق المحلية. لكن ثقة المستثمرين لا تزال خجولة جداً وحذرة. لا إستثمارات كبيرة على المدى القصير، في جو من التحدي السياسي والضبابي.

 

نذكّر أيضاً، بأن سعر الصرف يرتبط أيضاً بسعر تبادل السيولة، وبيع الدولارات عوضاً عن إخفائها أو تخبئتها «تحت البلاطة». حتى اليوم إنّ حاملي بعض الدولارات يُفضّلون التمسّك بها ليومهم الأسود، وسرعة إنتقال وتحويل الأموال لا تزال خجولة وفي الحالات القصوى.

 

إن الركن الأساسي لإنخفاض سعر الصرف، لا يزال عامل ثقة. الثقة اليوم حتى بعد الترسيم، لا تزال مفقودة، لأن الشيطان يكمن في التفاصيل، لا سيما حيال التطبيق والملاحقة، إذ إن الأمرين مفقودان في لبنان منذ عقود. ونذكّر بألم، إن السياسيين في لبنان يتميّزون، ومعروفون دولياً بأبطال الهدر والفساد، وأيضاً أبطال الفرص الضائعة.

 

فهناك تساؤلات عدة ومخاوف من أن يضيّعوا مرة أخرى هذه الفرصة الأخيرة التي تلوح في الأفق.

 

أما النقطة الأساسية، في سوقنا المحلية، فهي أن سوق الصرف ليست مرتبطة بأي منصة رسمية، ولا بأي مراقبة، أو بأي تدقيق داخلي أو خارجي، لكن مرتبطة بمنصّات هاتفية، غير معروف مَن يديرها، وسعر الصرف تحت رحمة الأيادي المظلمة والسوق السوداء من دون أي ضوابط وقواعد تقنية ونقدية.

 

والبرهان الواضح على ذلك، هو أنه حين بدأ تطبيق التعميم 161، وضخّ السيولة بالدولار، إرتفع سعر السوق بدلاً من أن ينخفض. من ثم إنخفض لبضع ساعات بعد إتفاق سياسي قبل الإنتخابات النيابية. وفي مَثل ثانٍ، في صيف 2022، إستقبلنا على الأراضي اللبنانية أكثر من مليون و800 ألف سائح من أصل لبناني، حيث صرفوا وضخّوا نحو 4 مليارات دولار، في السوق المحلية. هنا أيضاً إرتفع سعر الدولار وهميّاً بدلاً من أن ينخفض تقنياً.

 

هذا يعني بكل وضوح وواقعية، أن سعر صرف الدولار في السوق المحلية، تتلاعب فيه أياد خفية وسوداء، وبعض حيتان الصيرفة.

 

في الخلاصة، إن عامل الثقة هو الركن الأساسي قبل كل الإعتبارات، لا شك في أن الإتفاق على الترسيم يُمكن بأن يكون باباً للإنفراج الإقتصادي والمالي، لكن لترجمة هذا التفاؤل إلى ضخٍ للسيولة وانخفاضٍ في سعر الصرف، يجب تحويل هذه الفرصة إلى مشروع واقعي، يُنفذ ويُلاحق، ومردوده يخدم الشعب والإقتصاد، وليس الأحزاب والسياسيين. فبعد التفاهم على الترسيم، نتمنّى أن يحصل التفاهم الداخلي للإستفادة الحقيقية من مواردنا الطبيعية.