IMLebanon

ما هو تأثير شراء النفط باليوان بدل الدولار؟ 

 

يلاحظ القارئ أنّ جميع أسعار العملات أمام الدولار قد تراجعت. إذ في الوقت الذي وصل الجنيه الاسترليني الى 109 واليورو الاوروبي الى 106 تراجع الاسترليني هذه السنة الى 102 واليورو الى 101. في المقابل يجب أن ندرس التطوّر الجديد الذي حصل بعدما بدأت الصين تستغني عن الدولار في شراء النفط، وعقدت اتفاقاً مع روسيا ومع إيران على شراء النفط بالعملة الصينية التي هي اليوان، فهل سيكون لذلك تأثير على الدولار؟

نحن نعلم أنّ الدولار الاميركي يعاني منذ نهاية العام الماضي من تراجع ملحوظ، مقابل أغلب العملات الرئيسية، إذ بعدما وصل مؤشر الدولار، الذي يقيس قيمة العملة مقابل 6 عملات رئيسية الى مستويات لافتة، عاد ليواصل تراجعه.. وعلى الرغم من محاولات ارتفاعه بعد البيانات الاقتصادية الايجابية. ولكن الأسواق يبدو انها تخطط لأن يكون عام 2023 هو عام تراجع الدولار الاميركي وفقدان سطوته.

ويبقى السؤال الأهم وهو أين اليوان الصيني؟ ولماذا لا يندرج ضمن العملات التي يمكن تخزين الاحتياطيات فيها؟

الجدير قوله، هو ان أسواق العالم كله، بدأت تعاني من أزمات كبيرة بسبب الركود والتضخّم نتيجة للحرب الروسية – الأوكرانية التي اندلعت في 24 شباط (فبراير) عام 2022، وألقت بظلالها سلباً على جميع دول العالم، خصوصاَ على الأسواق الغربية.

أولاً: إنّ تكلفة الحرب الروسية – الاوكرانية على الاقتصاد العالمي تقدّر بـ2.8 تريليون دولار حتى نهاية عام 2023 كما أشارت منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية التي تضم 38 دولة متقدمة.

ثانياً: صندوق النقد الدولي توقّع انخفاض معدّل النمو الاقتصادي العالمي في عام 2023 الى نحو 2.8 تريليون دولار أيضاً. وهناك احتمالات للمزيد من الارتفاع  عام 2024.

فكيف يفسّر الاقتصاديون الأمر؟

مع ارتفاع حدّة الصراع بين الدول الغربية والكتلة الشرقية (روسيا ومن يدور في فلكها من الدول التي كانت تابعة لها)، قرّرت بعض الدول التخلّي عن الدولار الذي يمثّل العملة التي يتعامل بها الجميع.

وحدثت أزمة كبيرة عندما انهار بنك «سيليكون فالي» والذي يحتل التصنيف الرقم 16 كأكبر البنوك في الولايات المتحدة، ما أدّى الى تدخّل السلطات الاميركية، ووصف ما حدث بأنه أكبر انهيار لبنك أميركي منذ عام 2008. ووصفت أوساط المراقبين الاقتصاديين ذلك بأنه علامة على اضطراب النظام المصرفي.

وبالعودة الى تاريخ الدولار الاميركي نقول:

إنّ سيطرة الدولار بدأت منذ عام 1974، واتسعت في تسعينيات القرن الماضي وتحديداً بين أعوام 1990 و1995 وحتى اللحظة. في تلك الأيام كانت أميركا تمرّ بأسوأ أزمة اقتصادية مالية في كل تاريخها حيث وصلت الديون الاميركية الى ما يزيد على 4 تريليون دولار.

من هنا، كان لا بد للولايات المتحدة أن تستغل ظروف انهيار الاتحاد السوڤياتي.. حينها انتقلت من سياسة الانتاج او الاقتصاد الانتاجي الى سياسة الاقتصاد المالي، ما يعني السيطرة على رؤوس الأموال والثروات في العالم من خلال جعل الدولار العملة الأساسية في التداول في العالم. وبالتوازي لدعم هذه الخطة قامت أميركا بسلسلة حروب لم تبدأ أصلاً من العراق ولم تنتهِ في سوريا بل انتشرت في كل زاوية من زوايا العالم من أجل السيطرة على الموارد الطبيعية والبشرية والثروات النفطية والغازية وطرق الإمداد والنقل للطاقة. وأشعلت الحروب لتوسيع سوق بيع السلاح… السياسات الاقتصادية لأميركا كان هدفها الأساسي إضعاف العملات المحلية في الدول المستهدفة.

من هنا شهدنا كيف ان الولايات المتحدة راحت تفتعل المضاربات وتُنزل العقوبات بكل من ينافسها أو يمكن أن ينافسها مستقبلاً.

صحيح ان الولايات المتحدة تحكمت بالسوق العالمية بشكل كبير جداً خلال العقدين الاخيرين، لكن الوضع الآن بدأ يتغيّر بشكل كبير، ويهدد سيطرة أميركا على الاقتصاد العالمي.

بعد هذا كله… ما الذي يحدث الآن في العالم؟

أولاً: لقد أصبح اليوان الصيني العملة الرئيسية للاحتياطات الروسية. وعلى الأرجح ستنمو حصة اليوان خلال العامين المقبلين في التجارة العالمية بسرعة.

ثانياً: ان الحرب بين الصين والولايات المتحدة من أجل السيطرة على العالم أمر لا مفر منه بشكل أو بآخر، ما يعني ان كل العقوبات نفسها التي نراها اليوم ضد روسيا سوف تكون حتمية ضد الصين أيضاً بما في ذلك فصل الصين عن نظام «سويفت» المالي للتحويل البنكي.

ثالثاً: نتيجة لذلك، سيكون هناك حال تنخفض فيها بشكل حاد حصة الدولار واليورو في التجارة العالمية.

رابعاً: من المنطقي أن نفترض ان ذلك سيصاحبه تدافع هستيري للخروج من الدولار واليورو مقابل العملات الأخرى.

إنّ المعادلات العالمية الجديدة ستجبر أميركا على أن تعترف بأنّ هناك في العالم دولاً تستطيع أن تنهي الدولار بالضربة القاضية لكن الجميع يعلم كارثيّة هذا الإجراء… لذا فهم يطالبون ويسعون الى تحقيق أو تطبيق قواعد اقتصادية جديدة تحفظ للجميع حصصهم واستقلاليتهم وحصانة عملتهم الوطنية. ولا ننسى ان لقاء الزعيم الصيني بينغ والروسي بوتين الأخير أسفر عن اتفاق على إلغاء الدولار كعملة تجارية بينهما… وهناك مشاورات مع دول أخرى كالمملكة العربية السعودية مثلاً بهذا الشأن.

فهل تعي الولايات المتحدة خطورة المرحلة المقبلة.

إنّ أشهراً قليلة مقبلة قد تظهر بعضاً من ملامح مصير هذه المحاولة.