Site icon IMLebanon

إلغاء الوكالات الحصرية وهمٌ شعبوي جديد

 

 

في ضربة من العصا السحرية السياسية، عاد الحديث عن الوكالات الحصرية، بصدفة مشبوهة قبل الإستحقاقات النيابية، وأي استفتاء شعبي. كما أنه بالصدفة عينها، بعد الإنتخابات يعود المشروع إلى جوارير المجالس ويُطمر في «مقبرة» اللجان.

للعلم، لم يبدأ الحديث أو التفاوض على موضوع إلغاء الوكالات الحصرية في لبنان اليوم، بل منذ سنوات، لا سيما منذ تسعينات القرن الماضي، حينما رُفع الدعم عن السلع الأساسية والمعيشية مثل المأكولات والمشروبات وغيرها. يا للأسف، مرة أخرى يُجرّ مشروع اقتصادي إلى وُحول السياسة.

لا شك في أن هدفنا المشترك هو تخفيض أسعار السلع ومواجهة التضخم المفرط، ومحاولة تحسين القدرة الشرائية لكل شرائح المجتمع من دون استثناء من خلال خفض الأسعار. لكن الحل يبدأ بتوحيد سعر الصرف والإتجاه إلى أسواق ليست مركّزة على العملات الصعبة، وتحفيز المراقبة على الأسعار، وليس إيهام اللبنانيين بوعود كاذبة، كأنما إلغاء الوكالات الحصرية سيُخفّض الاسعار.

إن الوكالة الحصرية هي اتفاق تجاري وحصري بين شركة مصنّعة ووكيل لها، ليُسوّق ويُوزّع سلعاً معينة ويؤمّن خدمة للزبائن. إن هذا الإتفاق إقتصادي وتجاري بامتياز لا تتدخل فيه الدولة، وهذا يتضمّن حرية التبادل التجاري. ويُمكن للدولة أن تتدخل مثلاً لمراقبة الأسعار وحتى تحديدها، على سبيل المثال في قطاع الأدوية. ثم انه رغم الوكالة الحصرية في هذا القطاع، تستطيع الدولة تحديد الأسعار ومراقبتها.

إن الوكالة الحصرية لا تمنع أيّ فرد أو تاجر أن يُصدّر إلى لبنان أيّ سلعة أو منتج يُريده، وأن يكون في نطاق المضاربة المشروعة، هذا في حال استطاع شراءها من الشركة المصنّعة والمُنشئة. فالوكالة الحصرية لا تمنع التضارب ولا المنافسة، وحتى أنها لا تمنع تخفيض الأسعار، لأننا نعيش في اقتصاد حرّ ومنفتح.

إن الوكالة الحصرية والإتفاق الحصري بين المُصنّع والوكيل، يُجبر الشركة الأُم على تأمين الخدمة الضرورية، ولا سيما ما بعد البيع، وتُساهم في التسويق والإستثمار وحتى بالتوظيف.

فإذا أُلغيت الوكالة عن قطاع مثل السيارات، سنخسر كل الخدمة ما بعد البيع، ونُواجه حتى النقص في قطع الغيار، لأن الشركة الموردة والوكيل، لا يعود عليهما أي مسؤولية. ففي هذه الحال، إن إلغاء الوكالة هي هدية قيّمة للشركات المصنّعة، لأنها لم تُعد محكومة لا بالإستثمار ولا بتأمين الخدمة ما بعد البيع، ولا بالتكاليف الإضافية، وسيدفع الثمن المستهلك.

إن الوكالات الحصرية المتبقية في لبنان هي خصوصاً على السلع الفاخرة والفخمة. وإلغاؤها لا يُغيّر من سعرها، ولن يكون هناك أي تأثير على المجتمع. هذا يعني انّ مشروع الوكالات الحصرية هو وهمٌ جديد في أيدي السياسيين، ووعود كاذبة بتخفيض الأسعار، حينما الكل يعلم أنّ التضخم المفرط الجاري ليس جرّاء الوكالات لكنه جرّاء سوء الإدارة وحتى انتفاء وجودها.

مرة أخرى، تحاول الدولة رفع المسؤولية عنها، ورمي كرة النار على القطاع الخاص اللبناني، الذي لا يزال يثق ويستثمر ويُوظّف، في حال كان أيّ تجاوب حيال الدولة المراقبة والملاحقة، والحدّ من أي تجاوزات، عوضاً عن التركيز على مشاريع وهمية، لن يكون لها أي تأثير على الواقع والأرضية. فاقتصاد لبنان هو اقتصاد حرٌّ ومنفتح على العالم، ويلحق القواعد والقوانين الدولية ويسمح بالمنافسة الشريفة.