«ذو العقل يشقى في النعيم بعقله
وأخو الجهالة في الشقاوة ينعم
ومن البلية عذل من لا يرعوي
عن جهله وخطاب من لا يفهم«
المتنبي
في العام ، وبعد أن ألقيت خطبة نارية في احتفال كبير للجالية اللبنانية في الكويت في ذكرى اغتيال الرئيس الشهيد رفيق الحريري، اتهمت فيها بوضوح منظومة الممانعة بالجريمة، مؤكداً أن حكم الإعدام كان صدر عن أعلى مرجعية في تلك المنظومة، فوجئت بأن صحفاً وسياسيين كويتيين ردوا علي بعنف وصل إلى حد السفاهة عبر وسائل الإعلام الكويتية.
مع علمي بقوة الوجود الشيعي وتجذره في المكون الكويتي، لم يخطر ببالي أن هذا المكون المتشابك بشكل عضوي مع المصالح الكويتية يمكنه أن يكون مؤيداً أو مدافعاً عن منظومة على عداء دموي مع استقرار الكويت. هذا العداء أثبتته وقائع إرهابية بدأت مع مصطفى بدر الدين سنة عند تفجير السفارة الأميركية هناك، مروراً بعماد مغنية الذي خطف طائرة الجابرية سنة وقتل مواطنين كويتيين في محاولة إطلاق سراح نسيبه في العائلة والإرهاب. بالإضافة إلى سلسلة طويلة من العمليات التي اتهمت بها منظومة «حزب الله« اللبناني ولكن من دون إثباتات قاطعة. المفارقة هي أن بدر الدين لم يخرج من السجن إلا بعد أن أطلقه دخول صدام حسين إلى الكويت.
مفاجأتي كانت في حرية التعبير التي يتمتع بها المواطنون هناك وهم يمارسون حقوقهم المدنية كما هي الحال في دولة تحترم التعددية. ومع أنه أزعجني الهجوم والرد على كلامي، لكنني ارتحت لأن نواة الديموقراطية موجودة في هذا البلد بالذات، مما يعني أن إمكانية الإستقرار في ظل حكم يلامس الديموقراطية ويعطي فرصة المشاركة للجميع متوافرة في بلد خليجي أساسي.
ما حدث منذ أيام مقلق وفاضح للغاية، فإن كان بعض الموضوعية يدفعنا الى تفهم بعض مما يحدث في البحرين، الا أن إصرار منظومة الحرس الثوري ومن ضمنها «حزب الله« اللبناني على العبث بأمن الكويت، وتجاوب بعض الكويتيين واللبنانيين مع هذا العبث الإجرامي، ما هو إلا تأكيد جديد على أن قضية المظلومية التي تدفع إلى الثورة هي مجرد قناع ركيك لمشروع شاه إيران الجديد الإستكباري الذي يصر على جعل أمن كل دول المنطقة واستقرارها في خبر كان، مستخدماً الشيعة العرب كأدوات وضحايا في الوقت نفسه لهذا المشروع.
المثير للحيرة هو إصرار بعض اللبنانيين على إقحام أنفسهم في مشاريع انتحارية اقتداءً بمسيرة أحد قديسي حزب الله وهو مصطفى بدر الدين، على الرغم من سجله الأخلاقي الشخصي غير السوي، وسجله الإرهابي غير المشرف.
هؤلاء اللبنانيون يعلمون علم اليقين محبة شعب الكويت ودولة الكويت للبنان، ويعلمون أيضاً بمساهمات الكويت في المشاريع الإنمائية الكبرى للبنان من جنوبه إلى شماله ومن بحره إلى بقاعه، ويعلمون أيضاً أن الأساطير لا تبني سياسة ولا تكفي لبناء امبراطورية لا أساس لها إلا العصبية المذهبية، مع أن خلفيتها الأساسية هي قومية عنصرية.
عسى أن يدرك بعض اللبنانيين المأخوذين بأساطير نهاية زمن الغيبة وشعارات المقاومة والممانعة أنهم مجرد ضحايا ونذور لإله حرب فارسي.
إلى أن يحين يوم التوبة والعودة إلى الرشد، ما علينا نحن اللبنانيين الراشدين إلا أن نعبّر عن اعتذارنا للكويت عما بدر من جنون بعضنا.