لم تكن الولايات المتحدة منشرحة للإعدام الذي نفّذته المملكة العربية في حق مواطنها الشيعي الشيخ الناشط والمعارض نمر باقر النمر، استناداً إلى معلومات جهات ديبلوماسيّة وسياسيّة معيّنة. وقد أبدى وزير خارجيتها جون كيري انزعاجاً كبيراً فور تلقّيه نبأ التنفيذ، أولاً لأن من شأنه صب الزيت على نار الصراع بل الحرب بالواسطة الدائرة بين الرياض وطهران في المنطقة كلّها. وثانياً لأن الإدارة التي يخدم فيها قامت بمساعٍ جدية مع السعودية لعدم تنفيذ الحكم أو بالأحرى لتخفيفه، ولأنّها نالت نوعاً من الوعد بالتجاوب على الأقل في موضوع تنفيذ الإعدام، باعتبار أن الأشخاص الصادرة أحكام في حقّهم من هذا النوع يبقون أحياناً سنوات طويلة في السجون ينتظرون تنفيذها. علماً أن بعضها ينفَّذ وبعضها الآخر يتغيّر لأسباب متنوّعة قد تكون الوفاة إحداها. وهذه هي حال عدد من إرهابيي “القاعدة” الذين أُعدموا مع النمر، إذ كان مضى على سجنهم سنوات بلغ بعضها العشر. وثالثاً لأن واشنطن ربما تكون أوصلت إلى طهران في شكل أو في آخر التجاوب المشار إليه تلافياً ربما للالتزام بوعد غير مضمون التحقيق.
وتذهب الجهات نفسها أبعد في معلوماتها فتقول إن “الصراع” أو بالأحرى التنافس على السلطة داخل الحكم بين ولي العهد وولي ولي العهد الأميرين محمد بن نايف ومحمد بن سلمان، قد يكون لعب دوراً في تسريع عملية التنفيذ، وكذلك اعتبارات أقليمية ودوليّة عدة. لكنها تستدرك بالقول، كي لا يظن أحد أنها في معرض سردٍ “بروباغندي”، أن هذا التنافس الذي لا يمكن أن ينكره أحد سيستمر لكنه لن يُحسم بالوسائل التي اعتادها العرب والعالم المتخلّف كله أي بالقوّة والعنف. بل بانتظار إرادة الله تعالى بسبب الإيمان أولاً والحرص على عدم التسبّب للبلاد بأي أذى في أثناء مواجهتها أصعب مرحلة في تاريخها، وأشرس صراع مع أشرس وأدهى “عدو” في ظل تحالفات دولية لا يمكن الركون إليها مئة في المئة لانطلاقتها من المصالح أولاً وأخيراً. هل سعت الولايات المتحدة فعلاً لوقف التنفيذ أو إرجائه أو لتغيير حكم الإعدام في حق الشيخ النمر؟ وهل الحال في الداخل السعودي السلطوي على النحو الذي وصفته الجهات المذكورة أعلاه؟
يجيب مُتابع أميركي دقيق وموثوق به للمنطقة ودولها الكبرى فيقول استناداً إلى معلوماته إنه من السابق للأوان معرفة كيف سيؤثّر الإعدام وحرق السفارة السعودية في طهران وقطع العلاقات بين السعودية وإيران على المنطقة، وعلى المحادثات المتعلّقة بسوريا التي كان يُفترض إن تبدأ خلال الشهر الجاري، كما على العلاقات بين الرياض وواشنطن، ويقول أيضاً إن أميركا وإيران حذّرتا المملكة من إعدام النمر المسجون منذ سنتين. ويقول ثالثاً، إن القراءة الأولى له تُفيد أنه يعكس جدَّة مرحلة حكم الجيل الثالث من آل سعود المتميز بالشباب، وحال “الاضطراب والاهتياج” (Turmoil) الموجودة داخل العائلة الحاكمة، وأن الهدف منه كان إرسال إشارة لطهران وواشنطن معاً إلى أن المملكة غير سعيدة بالاتفاق النووي مع إيران، وغير منشرحة لقبول الثانية بقاء الرئيس السوري بشار الأسد في الحكم خلال المرحلة الانتقالية التي سيُتّفق عليها. ويقول رابعاً إن الإعدام لن يؤثّر سلباً على العلاقة الاستراتيجيّة بين السعودية وأميركا وأن الأخيرة ستُدافع عنها إذا تعرّضت للهجوم. علماً أن أحداً لا يتوقّع عمليات حربية مباشرة سعودية – إيرانية. إلاّ أن السؤال الذي يطرحه المتابع نفسه والدوائر المعنيّة في واشنطن هو: إذا كانت إيران والمملكة ستحضران اجتماعات جنيف بعد عشرة أيام لتسوية الأزمة السورية، وماذا سيكون موقف كلٍّ منهما؟ وجوابه المبدئي عن السؤال المزدوج هو ترجيحه عدم تغيبهما عن الاجتماعات والتوصّل إلى نوع من التسوية. لكنه يتساءل إذا كانتا ستقوّضان التسوية بعد ذلك.
في اختصار يُنهي المتابع المزمن تحليله المعلوماتي بالإعراب عن خشيته من إنجرار إيران والسعودية إلى التقاتل جرّاء استدراج المتطرّفين في كل منهما إلى ذلك. وإذا حصل هذا الأمر، فإن المتطرّفين جداً سيكونون الرابحين. إلا أن ذلك لن يغيّر سير الأمور في العراق الذي سيصبح جمهورية من ثلاث مناطق تتمتّع بالحكم الذاتي.