IMLebanon

الإعدامات والاغتيالات «ثقافة» شرق أوسطيّة؟!

اعدام الشيخ السعودي الشيعي نمر النمر، وخلفياته وتداعياته، تعيدني الى السنوات الاولى لنشوب الاحداث الدامية في لبنان، وجولات القتال التي كانت تسبق جولات وقف النار، لتعود الاشتباكات لتتجدد في شكل اكثر عنفاً وقسوة ووحشية، انطلاقاً من قذيفة تقع في هذه الجهة، والرد عليها بقذائف من الجهة الثانية، او بقنص الابرياء الذين يخاطرون بحياتهم من اجل رغيف خبز او علبة حليب او حبّة دواء لاولادهم واطفالهم، وكانت هذه الاحداث تتم في توقيت يحمل الامل الى اللبنانيين ان الاحداث سوف تتوقف وان الحرب لن تندلع، ولكن الذين كانوا يفتعلون تعطيل وقف النار، واسقاط الهدنات المتتالية، كان لهم رأي آخر واهداف اخرى، وكانوا الاقدر على «الخربطة» ولذلك نجحوا بتحويل الاحداث الى حرب استمرت خمس عشرة سنة، وخلّفت مئات الوف الضحايا والجرحى والمعوّقين، ودمّرت ما استطاعت الى ذلك سبيلاً في كل مكان من لبنان.

منذ العام 2005، واغتيال رئيس الحكومة الاسبق رفيق الحريري، بدأت اصابع الشرّ تدبّر الفتن في لبنان، طورآً عن طريق الاغتيالات وتارة عن طريق التفجيرات، ودائماً بخلق اجواء من الشحن والتوتر بين اللبنانيين عموماً وبين السنّة والشيعة خصوصاً، وكان واضحاً ان جذور هذه الاصابع تمتد الى خارج الحدود اللبنانية لتحوّل لبنان واللبنانيين الى رهائن لدى الدول الاقليمية والعربية، التي تسحب عليه خلافاتها التاريخية والمستجدة وتجعله اسيرها وابرز المتأثرين بنتائجها وتداعياتها، وعندما كان اللبنانيون يحاولون لبننة خلافاتهم ولبننة المساعي لحل هذه الخلافات، ووقف «اطلاق النار» بين بعضهم بعضاً، واقامة هدنات عن طريق الحوارات المتعددة، كانت جميع الحلول المطروحة تتعقد فجأة وبسحر ساحر، وتعود غيوم التوتر السود، لتطبق على انفاس اللبنانيين واحلامهم، ويخيّم القلق والخوف على حياتهم، كمثل الاجواء المسيطرة اليوم بعد اعدام الشيخ نمر النمر، على اعتبار ان اللبنانيين تعوّدوا على ان الاخطار والمخاطر التي تحبل بها الدول الاقليمية والعربية تلد عندهم في بلدهم، وهم الذين يدفعون ثمن هذه الولادة، فهذا الاغتيال قد يكون سبباً اضافياً لوقف مساعي انتخاب رئيس للجمهورية والاستمرار في تعطيل مجلسي الوزراء والنواب، ووقف الحوار السني ـ الشيعي بين تيار المستقبل وحزب الله، واستبعاد عودة رئيس الحكومة الأسبق سعد الحريري الى موعد قد يطول، وما يمكن ان تسببه هذه الحالات مجتمعة على الاوضاع المعيشية والاقتصادية والمالية المتهالكة اصلاً، وكل ذلك لأمر لا علاقة للبنان به، ما يفرض واجب اعادة البحث بتحييد لبنان عن قضايا لا تعنيه مباشرة وتقع خارج حدوده، واذا كان هناك لدى القيادات السياسية والمذهبية المنغمسة في سياسة المحاور الخارجية، الحدّ الادنى من الشعور بالمسؤولية الوطنية حيال الدولة والمواطنين، عليهم ان يتفهّموا ان سياسة التحييد هي الضمان الحقيقي لابقاء لبنان بعيداً بنسبة عالية عن المشاكل التي تدور حولنا وقربنا، هذا اذا كان هناك نيّة حقيقية بانقاذ لبنان مما يتهدده من اخطار لا علاقة له بها.

يبقى في النهاية، واجب الاشارة الى ان عمليات قتل المعارضين او اعدامهم، هي السمة الغالبة على معظم انظمة دول المنطقة والاحصاءات التي تقوم بها المنظمات الدولية المعنية بحقوق الانسان تشير الى ان حوالى 70 بالمائة من حالات الاعدام في العالم، انما تمّت في عدد من دول الشرق الاوسط، مثل العراق وسوريا والسعودية وايران واليمن وتركيا، ناهيك عن عمليات الاغتيال التي طالت مفكرين ومثقفين وصحافيين وسياسيين ورجال دين من جميع المذاهب، ولبنان كان له حصة كبيرة من حالات الاغتيال هذه.