تعليقاً على مضمون وحيثيات الحكم الصادر عن محكمة التمييز العسكرية نورد الدراسة القانونية الآتية:
1ـ يتبين من المادة 200 من قانون العقوبات أن محاولة الجناية تعتبر كالجناية نفسها وتتحقق بالأفعال التي ترمي مباشرة الى اقترافها والتي حال دون تحقيقها (اي تحقيق الجناية) ظرف خارج عن ارادة الفاعل. اما العقوبة فيمكن تخفيضها من الاعدام الى الاشغال الشاقة المؤبدة او الاشغال الشاقة المؤقتة من 7 سنوات الى 20 سنة. يندرج قرار سماحة التمييزي في هذا التوصيف (محاولة القتل مع تخفيض العقوبة).
2 ـ إن التعريف القانوني للمحاولة استبعد الاعمال التحضيرية من دائرة التجريم وارتكز على الافعال التنفيذية.
3 ـ اما ان يكون فعل محاولة الجناية يرمي مباشرة الى اقتراف الجناية، فأمر يعود تقديره للقاضي في ضوء وقائع كل قضية وظروفها. الا ان المبدأ الاساسي ان لا يكون هناك شك من ان الفعل المجرّم مرتبط مباشرة بالمشروع الجرمي الرامي الى تحقيقه بحيث يؤلف في الواقع بدء تنفيذ الجرم، عكس الفعل التحضيري الذي لا يكشف عن قصد الفاعل.
4 ـ يعني ذلك أن القصد هو الأساس، ذلك ان توافره لدى الفاعل يدل على انه جاد في تحقيق الجرم الذي اختطه لنفسه، فيستمد الفعل التنفيذي عقوبته من الجرم ذاته.
5 ـ إن الاجتهاد اللبناني تناول محاولة القتل، فاعتبر ان محاولة القتل تكون تامة بوضع الزوجة المادة السامة في زجاجة شراب شرب منها الزوج، وان امتناع الزوج عن الشرب لشكه في الامر يشكل السبب الخارج عن ارادة الفاعل والذي حال دون حصول النتيجة.
ـ تمييز قرار 232 تاريخ 21/10/1971، مجموعة سمير عالية، ج2، رقم 460.
اما الهيئة الاتهامية في لبنان الشمالي، وفي قرار احدث لها تاريخ 27/11/1995 العدل 1995، ص 329، فقد اعتبرت ان الشروع في الجناية هو البدء بالتنفيذ بعمل ايجابي يوصل رأسا الى النتيجة المقصودة، اما اذا لم يرق نشاط الفاعل الى مرتبة البدء في التنفيذ فهو مجرد عمل تحضيري او تمهيدي للجريمة ولا عقاب عليه بهذه الصفة وان المفاوضة في جريمة تهريب المخدرات هي مجرد عمل تحضيري، وان لا عقاب على مرحلة التفكير في الجريمة او التصميم عليها مهما بلغت درجته، ولو ثبت التفكير او التصميم على نحو لا شك فيه، كما لو اعترف به صاحبه او ابلغ غيره به، ما لم ينص القانون على خلاف ذلك، كما هي الحال، على سبيل المثال، بالنسبة لجمعيات الاشرار (م 335 عقوبات) او التحريض (م 217 عقوبات)، والتي نص المشرّع على معاقبة الافعال المنصوص عنها فيها باعتبارها جرائم متميزة ومستقرة بذاتها وليس باعتبارها مشروعا.
اما محكمة التمييز الجزائية، فلقد اصدرت قرارا رقم 81/97 تاريخ 25/3/1997، مجموعة كساندر 1997، ص 147، اعتبرت فيه ان المادة 200 من قانون العقوبات ركزّت من جهة على القصد الجرمي، عندما فرضت ان يرمي الفعل المادي الى اقتراف الجناية، ما يعني ضرورة عدم التباس هذا الفعل بحيث لا يعود ممكنا تفسيره الا بالارادة المصممة على اقترافه، ومن جهة اخرى على العلاقة السببية بين هذه الارادة وبين هذا الفعل بحد ذاته، عندما فرضت ان يرمي مباشرة الى اقترافه، فلا يكفي ان يكون الفعل غير ملتبس بل يتوجب ايضا ان يرمي مباشرة الى اقتراف الجناية، بحيث يحل بدء التنفيذ في وقت قريب نسبيا من الفعل المادي Proximité الامر الارادي المتروك تقديره وعلاقته السببية القريبة من الفعل المادي لتقدير القاضي.
وفي قرار احدث لمحكمة التمييز الجزائية برئاسة الرئيس رالف رياشي رقم 164/2000 تاريخ 24/10/2000، كساندر 2000، عدد 10، ص.ق 1069، اكدت المحكمة العليا ان المدعى عليهم اتوا اعمالا تحضيرية اقتصرت على تصوير السيارة ومراقبتها ورصد تحركاتها واماكن ايقافها، وهي اعمال لا ترمي مباشرة الى اقتراف جناية السرقة، ما يجعل معه عناصر جرم محاولة سرقة سيارة منتفية.
6 ـ في الخلاصة، ان محاولة الجناية لا تتحقق الا في الجرائم القصدية حيث تتجه نية الفاعل نحو نتيجة جرمية معينة، وان تقدير القصد الجنائي والنية الجنائية يعود الى القاضي. وعليه، إن تطبيق المادتين 549 و200 عقوبات يؤدي الى معاقبة من حاول القتل قصدا بعقوبة القتل قصدا، اي الاعدام، مع جواز استبدال العقوبة تخفيفا على ما أوضحنا. يبقى ان سؤالا محوريا يطرح ذاته بذاته: هل اتى ميشال سماحة عملا تنفيذيا بالمفهوم اعلاه يندرج في خانة جناية محاولة القتل؟ ام ان القاضي ذهب في تقديره الاستنسابي الى ابعد من التقدير ووقع في خطأ التوصيف، وهو خطأ جسيم في القضايا الجنائية، لا سيما ان حق التقدير لا يعفي من موجب التعليل؟ ان المقصود بالقاضي في قضيتنا الراهنة هو محكمة التمييز العسكرية، وبالتعليل حيثيات القرار التمييزي الذي قضى بالعقوبة الاشد على ميشال سماحة عن محاولة جناية القتل.
ان هذا الملف القضائي يطرح اكثر من تساؤل قانوني بحت، لا سيما في ضوء الهوة الكبيرة بين قرار المحكمة العسكرية الدائمة وقرار محكمة التمييز العسكرية في التوصيف الجرمي والعقوبة.