Site icon IMLebanon

الأزمة كيانية أولاً

يتفق معظم اللبنانيين على ان التحرك المدني الاحتجاجي الذي انفجر أخيراً في بيروت، حرك في شكل أو في آخر المياه الآسنة التي كان لبنان واللبنانيون قد اعتادوها في الأعوام الأخيرة، حتى أصاب الاهتراء جميع مناحي الحياة العامة وحتى الخاصة. وجاءت قضية النفايات المخزية، لتشعر جميع اللبنانيين بأنهم لا يمكنهم الاستمرار مخدّرين والنفايات تدهمهم في قلب منازلهم.

طبعا ما كنت قضية النفايات يتيمة، بل ان في لبنان ألف قضية وقضية يمكن كتابة مجلدات فيها، لكن وصول النفايات الى بيوت الناس كان بمثابة نقطة طفح بها الكيل، وكان دافعا اساسيا لتجاوب كثيرين مع حملات الجمعيات الأهلية الداعية الى التظاهر أمام السرايا الكبيرة. وطبعا تحول الأمر حملة منظمة لها روافد اعلامية وربما مالية، لكن الحق يقال إنه لولا وقاحة العديد من المسؤولين على مستويات عدة، وتراخي آخرين، وأكثر من ذلك افتقار ثالثين الى الحد الأدنى من الكفاية لما انفجر سخط اللبنانيين في الفضاء الافتراضي (وسائط التواصل الاجتماعي) والشارع.

نحن اليوم أمام أزمة حقيقية، عنوانها المسألة الاجتماعية التي كانت مغيّبة في المعادلة السياسية والأمنية والاقتصادية. والأزمة المذكورة تنضم الى الأزمة الوطنية العميقة والمتعلقة بالكيان نفسه والخيارات الكبرى في البلاد، والأزمتان متلازمتان، لا يمكن أي منهما أن تجد سبيلاً الى الحل في معزل عن الأخرى.

بمعنى آخر، لا يمكن حل المسألة الاجتماعية بأوجهها كافة ما لم يتزامن ذلك مع حل ازمة الكيان في بعده السياسي والأمني. والحل الأخير ليس بيد الشارع الرائع الذي ملأ ساحة الشهداء في قلب بيروت. وبالتأكيد لا يمكن الحل أن يكون بيد القوى المنظمة للتحرك المدني.

غداً سيجدون حلولا عاجلة لأزمة النفايات، وسيتم استيعاب بعضا من الغضب الشعبي الأصيل، والحد من “طموح” الأجندات والشعارات التي تزاحمت الأسبوع الفائت في الشارع. فـ”النظام” لا يحتاج الى من يطالب بسقوطه لانه غائب، و”السلطة” المستهدفة بالغضب ليست سلطة بالمعنى التقليدي، والمرجعية الكبرى في البلاد ليست مرتبطة بالمناصب ولا بالتسميات بل بالدور الفعلي سياسيا وأمنيا.

التحرك المدني يعكس ثورة الناس، ولكن في ظل بلد مركب ومتقطع الأوصال كلبنان، وفي غياب دولة حقيقية يمكن محاسبتها في الشارع أو المؤسسات القضائية، ستكون “انتفاضة المجتمع المدني” مجرد حلم صيف عابر… لا لقصر فيها بل لأن أزمة لبنان العميقة تتعلق بالكيان وباحتمالات بقائه أو زواله، في زمن حمامات الدم الممتدة من العراق الى اليمن فسوريا.

التحرك أيقظ الناس، ولكن التغيير سيتأخر كثيراً ما دام الاستقطاب الطائفي المذهبي أساس المعادلة سلماً أو حرباً وما دامت حروب الخارج تخاض هنا بالوكالة.