ليس سهلاً تجرّع «كأس السم» حتى الثمالة. لذلك من الطبيعي وقوع توتر وغضب وحتى تهديد، لكن ذلك ليس إلا جزءاً من الاعتراض العاجز عن وقف «قطار» انطلق. المرشد آية الله علي خامنئي، يعاني حالياً هذه الحالة، فهو اعتاد مخاطبة الولايات المتحدة الأميركية بـ»الشيطان الأكبر»، وهو شاء أو أبى مضطر للتعاون معها«، رفض المرشد للعلاقات بواشنطن يكاد يماثل مطلب الزعيم الكوبي التاريخي كاسترو بأن على الأميركيين دفع ملايين الدولارات لبلاده تعويضاً لعقود الحصار والمقاطعة، وهو يعلم جيداً أن الكوبيين كما الايرانيين يقفون بالصف لاستقبال الشركات ورجال الأعمال والسياح الأميركيين.
بعيداً عن العجز عن وقف «كرة الثلج» المتدحرجة، التي متى تمّ التوقيع على الاتفاق في أيلول المقبل، تكون فترة الـ 100 يوم مساحة للتجاذب السياسي تمهيداً لهدم جدران عدم الثقة والبدء بمرحلة جديدة هي مرحلة «الانفتاح المتدحرج».
ترددات الاتفاق النووي، بدأت مفاعيلها تظهر، من قواعد هذا التطور، العمل على الخروج من حالة النزاعات التاريخية منها والدموية خصوصاً. لا يمكن العمل على قاعدة كسر «جدران« عدم الثقة وفي الوقت نفسه الاستمرار في القفز بين «أحزمة النار». لكل حالة شروطها وقواعدها ونتائجها والتزاماتها.
من الثابت والمؤكد، أن فلسطين ستبقى القضية التي ترسم كل المسارات. لا تستطيع قوة أن تكون فاعلة ومؤثرة ولاعبة فعلية في الشرق الأوسط دون الالتصاق بالقضية الفلسطينية. الثورة في إيران أدركت ذلك فرفعت علم فلسطين عالياً هوية لها، ونجحت في ذلك. الآن جاء دور تركيا. وجود «حماس» في غزة فتح أمامها ثغرة في الجدار الفلسطيني ولن تتنازل عنها خصوصاً بعد سقوط «الإخوان« في مصر.
إيران وضعت كل ثقلها في «حزب الله»، ونجحت. المشكلة التي تواجهها الآن، انها ربطت مستقبل «الحزب« ببقاء بشار الأسد، وهي غير قادرة مهما بذلت. المحافظة على نظام الأسد، الذي يخوض حرباً تستنزفه حتى الموت. في الوقت نفسه تريد طهران ضمان سلامة ومستقبل «حزب الله«. مأزق إيران، أنها ستشارك في مفاوضات طويلة حول سوريا، وهي مجبرة في النهاية على تقديم تنازلات قاسية. توجد «محطات» عديدة على سكة هذا «القطار»، قد يكون بعضها دامياً ومشتعلاً، المهم الوصول الى «المحطة« الأخيرة.
تركيا بدورها التي لم تشجع المقاومة المسلحة تدفع باتجاه تفاهم اسرائيل وحركة «حماس» على هدنة طويلة مدعمة بتفاهمات حقيقية ومنتجة. من ذلك فتح خط بحري بين غزة وقبرص التركية يحل مشكلة التنقلات ويخفف عملياً من الحاجة الى معبر رفح، ويفتح أمام الغزاويين الأبواب للخروج من حالة الحاجة والعَوَز ومحاربة «طواحين الهواء» نكاية بالسلطة الوطنية وحركة «فتح».
«حزب الله« يؤكد ليلاً ونهاراً أنه حليف لإيران وليس حزباً لخدمتها. يستطيع الحزب اليوم قبل الغد أن يثبت ذلك ولو بالتفاهم مع طهران بالخروج من سوريا، ونقل لبنان من حالة السباحة في الفراغ الى الوقوف على أرض الواقع على قاعدة أن لبنان للجميع، أو الاستمرار حتى حصول المفاوضات. مفاوضات فيينا انتهت بتخلّي إيران عن «سيادتها النووية» لعقد من الزمن. في صلب هذا المأزق إن استمرار الفراغ الرئاسي في لبنان يراد منه تجميد الموقف الى حين تحديد حجم التنازلات في سوريا، لكن بعد مضي عام على الفراغ زائد الأزمات الاقتصادية والاجتماعية وتعرّض السلم الأهلي البارد لهزة يومية سيجعل هذا الفراغ عبئاً على الحزب وإيران نفسها في المفاوضات.
طهران تعرف، أن من بين الضمانات التي ترضي واشنطن وإسرائيل، تلك المتعلقة بفرض هدنة طويلة حقيقية وثابتة أوسع من هدنة القرار 1701. إيران ترى الحل في إجراء استفتاء يضم اليهود والمسلمين والمسيحيين من الفلسطينيين لتحديد مستقبل الدولة بين الإسرائيليين والفلسطينيين. هذا الحل كان قد طرحه في البداية الرئيس محمد خاتمي ثم الرئيس أحمدي نجاد ومؤخراً المرشد خامنئي. مجرد تبني مثل هذا الحل يعني الاستعداد للتخلي عن المقاومة والسلاح لتحرير القدس. يمكن المكابرة والمزايدة، لكن انزلاق الحزب حتى رأسه في «المغطس» السوري، سيجعله لاحقاً ملفاً للتفاوض عليه ويكون بذلك خاسراً في جميع الحالات.
تركيا فتحت مساراً أمام «حماس» للخروج من «أسرها«. «الحزب« قادر مع إيران على الخروج أيضاً من «أسره« في سوريا و«اسره« للبنان، ليربح مستقبلاً لا تصوغه المتغيّرات المتسارعة والسريعة.