نقطة الإجماع الرئيسة لدى الجمهور الذي يملأ الساحات، حيال الورقة الإصلاحية، التي أعلنها رئيس الحكومة سعد الحريري أول من أمس هي أن لا ثقة برجال السلطة الذين أقروها، على رغم اعتبارها خطوة إيجابية من خبراء وقوى سياسية.
توقع الحريري نفسه موقف الحراك الشعبي بقوله: “لو كنت متظاهراً في الشارع لما أعطيت المسؤولين الثقة، وأفهم وجعهم…”.
يتفرع عن نقطة الإجماع هذه قول المواطنين الثائرين إنه إذا استطاعوا الاتفاق على هذه الإجراءات الإنقاذية في 72 ساعة، لماذا لم يفعلوا ذلك خلال السنوات الماضية؟ هنا بيت القصيد الذي ينقل المشكلة إلى المستوى السياسي، لأن من أسباب التأخر في التدابير خلافات أهل السلطة سواء على الخيارات الإقليمية، وانشغالهم بالصفقات وتقاسم شهوات المواقع باسم حقوق الطوائف والطموحات الرئاسية، تحت مظلة التسوية الرئاسية التي اختل التوازن فيها.
إعلان رئيس الحكومة أن “القرارات المتخذة ليست للمقايضة، ولطلب التوقف عن التظاهر والتعبير عن الغضب”، وأن “ما قمتم به أوصل الى اتخاذها”، اعتراف منه بأن الانفجار الشعبي لن يكتفي بخطوات إصلاحية، لأن مطالبه سياسية، ضد الطاقم الحاكم.
والعارفون بموقف الحريري لا يخفون أن ما قاله يعني أن استقالته ما زالت واردة، بعد أن حالت المداخلات الدولية والمحلية دونه، يوم الجمعة الماضي بحجة انعكاساته السلبية على الوضعين المالي والنقدي، فلجأ إلى مهلة الـ72 ساعة كي يقتنع شركاؤه في الحكومة والتسوية، بالإجراءات التي طرحها والتي أدخلت تعديلات عليها من اقتراحات رئيس “التقدمي الاشتراكي” وليد جنبلاط. كان الحريري قرر الاستقالة منذ الخميس، وعززت مشاهد الحراك الجمعة قناعته، لاعتقاده أنه “هزّ كل الاحزاب والتيارات والقيادات، وكسر حاجز الولاء الطائفي الأعمى”، كما قال. فاجأ الحريري بعض مستشاريه بتوجهه ووجد بعضهم أنه مرتاح لانسجامه مع قناعاته بعد سنتين من المعاناة مع شركائه. وعندما اتجه جنبلاط إلى الاستقالة، كاد الحريري يعود إلى هذا الخيار، معتبراً أنه بانسحاب “الاشتراكي” من الحكومة تفقد ميثاقيتها، فأبلغ جنبلاط أنه غير متمسك بالبقاء، لو لم تتجدد الاتصالات الدولية التي كانت تمنت على رئيس الحكومة عدم الإقدام على الخطوة، مع جنبلاط نفسه، معطوفة على جهود رئيس البرلمان نبيه بري وغيره مع رئيس “الاشتراكي” لثنيه عن الخطوة. أبقى الحريري الخيار قائماً في حال عدم التجاوب معه، “وليتحمل الآخرون مسؤولية الأزمة”. لكنه اعتبر المهلة فرصة لإقامة “حزام أمان للوضع الاقتصادي المالي (عبر الورقة الإصلاحية والموازنة) تمنع الانهيار”. وبعد قرارات مجلس الوزراء بات يعتبر أنه “يمكن لحكومة جديدة أن تعتمدها برنامجاً لها”.
يصعب الخروج من المأزق من دون التغيير الحكومي، سواء بتعديل كبير في وزرائها، أو بتبديلها كلياً. ومن الطبيعي التفتيش عن المخارج التي تلائم بين التغيير الحكومي كمخرج وبين تحصين الوضع المالي. فإذا كان تغيير بعض الوزراء لا يرضي الحراك الشعبي، أو كان متعذراً خوفاً من العودة إلى تناتش الحصص الوزارية، فإن قيام حكومة جديدة يفترض الاتفاق مسبقاً على صيغتها، مصغرة من سياسيين، أم من اختصاصيين، قبل الاستقالة لطمأنة الأسواق المالية وتفادي الفراغ.
هل شركاء الحريري في التسوية يشاركونه الرأي؟ إذا كان الحريري فاتح الرئيس ميشال عون بالفكرة، فإن فريق العهد يبدو في حال إنكار لضخامة المأزق، بدليل ممارساته في مجلس الوزراء الإثنين، إذ إن الوزير جبران باسيل حال دون قرار التشكيل الفوري للهيئة الناظمة للكهرباء، ودون تعيين أعضاء مجلس إدارة الكهرباء، بالاعتراض على تسمية جنبلاط العضو الدرزي، وهو ما استغربه سفراء غربيون. كما يضغط هذا الفريق لقمع التظاهرات، ما ترفضه قيادة الجيش والحريري. أما “حزب الله” فإنه يتعاطى بريبة مع التغيير الحكومي على أنه يستهدفه.
فهل تأتي المخارج من الخارج، الذي يمكنه ضمان الوضع المالي، لتعذرها من الداخل؟