المخاوف من “تزوير الإنتخابات” تتزايد على بُعد أسبوع من فتح الصناديق
الثقة المفقودة بين المغتربين والقوى السياسيّة حالت دون مشاركة الحكومة بياناتهم الأجنبيّة عبر المنصة المخصصة لانتخابات غير المقيمين ما ارتدّ سلباً على توزيع مراكز الإقتراع قبل أن تبرز المخاوف من التلاعب في «الصناديق» ومن خلالها بنزاهة العمليّة الإنتخابية برمّتها… فهل تعمد «الحكومة» إلى استعادة ثقة المغتربين عبر الإستجابة لمطالبهم المشروعة؟ أم أن مطالبهم ستلقى مصير جلسة الثقة بوزير الخارجية؟
سقطت جلسة طرح الثقة بأداء وزير الخارجية والمغتربين عبدالله بو حبيب لتسقط معها مساءلة القوى السياسية المعارضة على بعد أيام من بدء توجّه الناخبين إلى صناديق الإقتراع في 6 أيار في الدول التي تعتمد نهار الجمعة يوم عطلة نهاية الأسبوع (السعودية، قطر، الكويت، سوريا، سلطنة عمان، مصر، البحرين، الأردن، العراق وإيران)، و8 أيار لغير المقيمين في بقيّة الدول، قبل أن تفتح الصناديق في لبنان أمام الموظفين المشاركين في إدارة الإنتخابات في 12 أيار تمهيداً لـ «العرس الديمقراطي» المنتظر في 15 أيار.
تحديات جمّة تواجه الإنتخابات النيابيّة، ولا تقتصر على محاولات «السلطة» المتكررة الحدّ من إندفاعة القوى التغييريّة وتشتيتها؛ ليشكل هاجس «الإنتخاب العقابي» للناخبين المغتربين البالغ عددهم 225114، مصدر قلقٍ دفع «التيار الوطني الحر» إلى محاولة الحدّ من تأثيرهم، منذ سقوط الطعن في إلغاء الدائرة 16 المخصصة لهم، وصولاً الى تجاهل وزارة الخارجية مطالبهم، ما دفع بتكتل «الجمهوريّة القوية» إلى طرح الثقة بالوزير عبدالله بو حبيب، على خلفية إستحداث آليات لتوزيع أقلام الإقتراع ستسفر عن تشتيت أصوات المغتربين وإضعاف الإقبال.
أستراليا ترفع الصوت
عدم ثقة المغتربين في مشاركة بياناتهم الأجنبية وأماكن سكنهم عبر المنصة المخصصة من قبل «الحكومة اللبنانية» لتسجيل غير المقيمين يعكس خشية من خرق خصوصيتهم. وهذا ما حصل مع خرق المنصة وتداول البيانات بحسب الناشطة السياسيّة فاطمة حبلص. والى مسألة الخرق ثمة مشاكل أخرى، ففي مدينة سيدني الأسترالية مثلاً، التي سجّل فيها ما يقارب الـ 16 ألف ناخب، تجاهلت القنصلية الطلبات المقدمة من المتضررين من أجل تصويب الخلل في توزيع الناخبين على مراكز اقتراع بعيدة عن أماكن إقامتهم على غرار ما حصل في الولايات المتحدة الأميركية. أما في دبي فالموضوع المشكو منه مختلف إذ حُصر الإقتراع في مركز واحدٍ في دبي التي فاق عدد المسجلين فيها الـ 20 ألفاً، بحسب المهندس جوي حنينة، ما طرح شكوكاً حول القدرة على استيعاب هذا العدد وتأمين حسن مشاركتهم في اليوم الإنتخابي الطويل، ضمن وقت محدد قانوناً. هذا عدا المخاوف المتكررة والمتجددة من التلاعب في صناديق الإقتراع خلال نقلها إلى لبنان.
لنعد إلى سيدني
تعد الجالية اللبنانية هناك من أكبر الجاليات في الخارج بحيث تسببت الإجراءات الإدارية التي اعتمدتها وزارة الخارجية بتشتيت ما يقارب الـ 70 في المئة من أفراد العائلات المسجلين على العديد من مراكز الاقتراع، خلافاً لما تم اعتماده خلال دورة العام 2018، كما أوضح مسؤول القوات اللبنانية في أستراليا طوني عبيد، داعياً إلى اعتماد الإجراءات الإدارية التي سبق أن اعتُمدت في العام 2018.
ولا تقتصر مطالب المغتربين على توزيع مراكز الإقتراع، بل طاولت الإجراءات الإدارية الهادفة إلى تسهيل الإقتراع عبر السماح باستخدام «إخراج القيد» الذي يخول حامله التسجيل للمشاركة في الإنتخابات من دون السماح في اعتماده للإقتراع، علماً أنه يتعذر على المسجلين الحصول على الهوية في السفارات والقنصليات في الخارج، كبديل عن إخراجات القيد ما سيؤدي بالعديد منهم إلى فقدان حقهم في الإقتراع كون الحصول على جوازات سفر جديدة بات اليوم صعباً.
ووضع عبيد هذه الإجراءات في خانة ضرب صوت المغترب والصوت القواتي تحديداً، تمهيداً لتطيير الإنتخابات في الخارج، مع انكشاف الغموض الذي يحيط بآلية توزيع الناخبين رغم مراجعتهم المتكررة للمسؤولين وعلى الأخص، القنصل شربل معكرون الذي يأخذ بتوجيهات «التيار الوطني الحر»، ما يؤكد وجود خلفيات سياسيّة واضحة للحدّ من تأثير «الصوت القواتي المعارض»، وهذا ما بدا واضحاً بالنسبة لـ عبيد من خلال الردّ الذي صدر عن الوزير عبدالله بو حبيب «ما كتب قد كتب ويمكن للمتضرّر اللجوء إلى القضاء أو لهيئة الإشراف على الانتخابات»، ما أعاد إلى أذهانهم التخوف على مصير اصواتهم بعد أن سجل في الدورة السابقة فقدان العديد من صناديق الإقتراع منها صندوق تابع لقضاء بشري وآخر لدير الأحمر
لا ينحصر الإعتراض في أستراليا عند «القواتيين»، لتشدد الناشطة ضمن مجموعة «مغتربين مجتمعين» فاطمة حبلص على أن الهدف من توزيع المقترعين العائدين إلى الدائرة الإنتخابية الواحدة (من الدوائر 15) على أكثر من مركز إقتراع في الخارج ضمن مسافة لا تتعدى 20 دقيقة في السيارة، على سبيل المثال لا الحصر، إعتماد 3 مراكز إقتراع في سيدني للناخبين من قضاء زغرتا، ما يزيد الريبة والمخاطر بالنسبة لهم حول التلاعب في الصناديق خلال نقلها الى لبنان، تحديداً في ظل عدم تعاون البعثات الدبلوماسية مع مراجعاتهم الإستيضاحية حول العمليّة الإنتخابيّة، والمرتبطة بتوزيع أفراد العائلة الواحدة على أكثر من مركز إقتراع ما شكل حالة إرباك لهم، خاصةً وأن العديد من أفراد الجاليّة لا يجيدون قراءة اللغة العربية، ما يرتد سلباً في ظل وجود قوائم إنتخابية موحدة باللغة العربية دون وضع الأسماء باللغة الأجنبية تسهيلاً لعملية الإختيار… لتختم ضاحكةً: «بالـ 2022 عم نعلّم العالم بأستراليا ينتخبوا الصورة ولون اللائحة!».
…وفرنسا أيضاً
المشهد في فرنسا مختلف والإعتراض يتناول نواحي أخرى إلى جانب تحديد مراكز الإقتراع، مثل إهمال تنبيه المسجّلين لعدم صلاحيّة أوراقهم الثبوتيّة للمشاركة في الإنتخابات، منذ تسجيلهم عبر الموقع الإلكتروني، كون السفارة هي الجهة الوحيدة المخولة بذلك، ما دفع برئيس مركز القوات اللبنانية في باريس جورج دميان إلى التخوّف من أن يفقد عدد كبير من المسجلين (قرابة 40 في المئة) حقهم في الإقتراع بسبب عدم تمكنهم من تجديد جوازات السفر خاصتهم، موضحاً انه رغم التكلفة المرتفعة للحصول على جواز سفر، أي 54 يورو لمدة سنة، فإن الأمر يستغرق ما بين شهرين إلى ثلاثة أشهر، مؤكداً في الوقت نفسه عدم قيام السفارة بأي مبادرة من أجل تحفيز المغتربين على المشاركة في الإقتراع على غرار ما حصل في السابق من تنظيم حملات في المدن الفرنسيّة الكبرى لحثهم على المشاركة وتسهيل حصولهم على الوثائق المطلوبة لذلك، ما يؤكد وجود نيّة مبيتة يتم العمل بها بطريقة ممنهجة من أجل عدم مشاركة الإغتراب بكثافة في الإنتخابات.
وأوضح دميان أن «السفارة» وخلافاً للدورة السابقة، لم تتجاوب مع الطلبات الهادفة إلى إعادة تحديد مراكز الإقتراع بما يتلاءم وحسن سير العمليّة الإنتخابية، ليشكل التأخير في توزيع لوائح المسجلين من قبل الوزارة مخالفة واضحة لقانون الإنتخاب، ليختم مطالباً عبر «نداء الوطن» بفرز اصوات المغتربين في الخارج بما يضمن عدم التلاعب في النتائج خلال نقل الصناديق إلى لبنان.
كندا… التحديات أكبر!
لا تقتصر نتائج الإنتخابات على إعلان الفائزين، كونها تشكل محطة أساسيّة للتغيير وإنطلاقة لمواكبة الإستحقاقات المقبلة، حسب تعبير الناشطة السياسيّة في كندا وناشرة منصة «الراوية» الإلكترونية، ستيفاني مخيبر، التي شددت عبر «نداء الوطن» على وجود العديد من المشاكل التي تحدّ من قدرتهم على ممارسة حقهم الطبيعي في الإنتخاب.
مخيبر التي إنتقلت إلى كندا منذ ما يقارب العشر سنوات، لم تجد محفّزاً للمشاركة في الإنتخابات السابقة، أما اليوم فقد انخرطت بشكل مباشر في مواكبة «الحالة الإعتراضيّة» ضمن مجموعة «مغتربين مجتمعين» بعد 17 تشرين 2019، معولةً على نتائج الإنتخابات في أيار المقبل لتشكّل إنطلاقة لمسار التغيير الفعلي للطبقة السياسيّة في لبنان.
وتشدد مخيبر على أن ابرز التحديات التي واجهها المغتربون، لا تتعلق بتعدد اللوائح المعارضة بل بكيفيّة تعامل المسؤولين في الدولة اللبنانية مع هذا الإستحقاق، مشيرة إلى أن تحميل المجموعات التي ساهمت في تحفيز المغتربين على التسجيل للإقتراع مسؤولية الخلل الكامن وراء توزيعهم على مراكز خارج اطارهم الجغرافي في غير مكانه، لأن الآلية التي اعتمدت من قبلهم كانت عبر مساعدة الأفراد والعائلات على القيام بذلك بأنفسهم، لتشدد على أن الخلل في تشتيت المغتربين مقصود من قبل المسؤولين بعد إتضاح أن العديد من العائلات التي تسجلت عبر جهاز إلكتروني واحد، توزعت على أكثر من مركز اقتراع في أكثر من ولاية بعيدة كلياً عن إقامتها، ما سيفقدها القدرة على المشاركة في الإنتخابات.
مراكز إقتراع على قياس المموّلين؟
وتوقفت مخيبر عند أزمة التمويل التي تواجهها الحكومة والتي تتسبب بخلل جسيم في تنظيم الإنتخابات في الخارج، موضحةً أنه سبق لـ «السفارة» أن تواصلت مع المغتربين بهدف تأمين التكاليف المترتبة على إجراء الإنتخابات وفتح مراكز الإقتراع في الخارج، لتستطرد متساءلةً عن الجهات السياسية التي عمدت إلى تأمين التمويل لمراكز إقتراعٍ في ولاياتٍ معينة وحجبها عن أخرى، وهذا الأمر يشكل خرقاً لمسار العملية الديمقراطية ككل.
وشددت على أن غياب «الدولة» عن تنظيم الإنتخابات بالشكل المطلوب في الخارج وصعوبة الإنتقال إلى مراكز الإقتراع البعيدة سيشكلان عائقاً أمام القسم الأكبر من المسجلين للمشاركة في الإنتخابات، لتستطرد مؤكدةً تفاؤل القوى التغييرية في أن يشكل هذا الإستحقاق محطة اساسيّة في تاريخ لبنان رغم كل الصعوبات التي تواجهه.
مخيبر التي تساهم من خلال منصة «الراوية» في ربط أواصر اللبنانيين المقيمين مع المغتربين، لا تخفي توجسها من أن تشكّل نتائج الإنتخابات صدمةً مع إعادة إنتخاب القوى السياسيّة التقليدية نفسها، ما يرتد سلباً على اندفاعة المنتشرين وآمالهم في التغيير، لتبقي الآمال على القوى التي ترى أن التغيير يجب أن يبدأ من مكان ما بغض النظر عن «نتائج الصناديق»، وصولاً إلى تحقيق التغيير الجذري بعيداً عن التعامل مع «فيروس» السلطة الحاكمة.
فهل يستدرك المعنيون هذه التحديات في محاولة لاستعادة ثقة المغتربين أم أن الإطاحة بالأصوات التغييريّة ستتفوق على جميع المناشدات الإصلاحيّة؟