مشاكل بالجملة تجعل من «فكرة» الاقتراع لستة نواب يمثلون المغتربين أمراً غير قابل للتطبيق. اليوم، تلتئم اللجان النيابية المشتركة اليوم لدرس اقتراحات القوانين المتعلّقة بالانتخابات النيابية، ومنها اقتراح قانون معجّل مكرّر قدّمه النائب شامل روكز لإلغاء المادتين 112 و122 من قانون الانتخاب تتعلقان بالمقاعد الستة. بناءً على موقف الكتل النيابية في الاجتماع الأخير للجان، فإن غالبيتها – باستثناء التيار الوطني الحر – تؤيد إلغاء المقاعد الستة، وإعادة المشهد نفسه كما في انتخابات عام 2018، لناحية السماح لغير المقيمين بانتخاب النواب الـ128 داخل الأراضي اللبنانية
مطلع الشهر الجاري، فُتح باب التسجيل أمام المغتربين الراغبين بالاقتراع سواء للنواب الستة إذا ما أُبقي عليهم، أو للنواب في الداخل، على أن يُقفل في 20 تشرين الثاني. بعد مرور أيام، سجّل دبلوماسيون في وزارة الخارجية وعاملون في البعثات الخارجية، مجموعة من الملاحظات، من بينها:
– تعطّل الموقع الإلكتروني لوزارة الخارجية نتيجة الضغط خصوصاً في الدول التي تضم جاليات كبيرة، ما حال دون تمكّن قسم كبير من التسجيل. وتؤكد مصادر في وزارة الخارجية أن الـ«سيرفر» غير مؤهّل لتلقي كمّ كبير من الطلبات، وكان يفترض تأهيله قبيل أشهر لضمان عدم الوقوع في مشكلات مماثلة.
– تعمل وزارة الخارجية بالحدّ الأدنى من الكوادر البشرية التي لم يجر تدريبها قبل بدء التسجيل، كما أن عدد الموظفين في الدوائر المكلفة بتصديق الأسماء والتأكد منها لا يتعدى العشرة، فضلاً عن أن بعض السفراء لا يزالون حتى الآن يقومون بالتعاقد مع مساعدين.
– تملك السفارات داتا أولية عن أماكن وجود اللبنانيين في الخارج. وبحسب المصادر، كان الأجدى أن تقوم هذه السفارات قبيل أشهر بتجربة أولية لتسهيل التخاطب مع أبناء الجاليات.
– ضعف الحملة الإعلانية للتحفيز على التسجيل بسبب افتقاد الوزارة إلى الموازنة المالية المخصّصة لهذه المسألة، علماً أن في الإمكان التعويض عن ذلك عبر استعانة رؤساء البعثات بالجمعيات والمجموعات الناشطة والكنائس وغيرها للحثّ على التسجيل.
– إصدار وزارة الداخلية تقريراً أسبوعياً حول عدد المسجّلين في كل دولة، لا الاكتفاء بذكر عدد المسجّلين في كل الدول، للتشجيع على التسجيل.
– عدم تقييم انتخابات غير المقيمين عام 2018 والسبب الرئيسي الذي أدى إلى اقتراع 47 ألفاً من 83 ألفاً سجّلوا أسماءهم، وما إذا كانت المعوقات تقنية أم بُعد مراكز الاقتراع أم غيرهما.
المقاعد الستة: مشروع وُلد ميتاً
ما سبق، يتعلق بالمشكلات التقنية والبشرية حول انتخاب المغتربين، لكن ثمة مشكلات أخرى مرتبطة مباشرة بالمادة 112 من القانون التي تنص على أن «المقاعد المخصّصة في مجلس النواب لغير المقيمين هي ستة، تُحدّد بالتساوي ما بين المسيحيين والمسلمين موزّعين كالتالي: ماروني – أرثوذكسي – كاثوليكي – سني – شيعي – درزي، وبالتساوي بين القارات الست»، على أن يجري الاقتراع في الخارج «على أساس النظام النسبي ودائرة انتخابية واحدة قبل 15 يوماً على الأكثر من الموعد المعيّن للانتخابات في لبنان»، بحسب المادة 118.
وتعتري هاتين المادتين إشكاليةٌ تقنية تجعل من فكرة النواب الستة غير قابلة للتطبيق. فعلى سبيل المثال، ومع اعتماد الدائرة الانتخابية الواحدة، بات لزاماً على المرشح في أستراليا أن يعيّن مندوبين في 200 دولة أخرى ويجد طريقة للتواصل مع ناخبيه. وهو إذا ما أراد إرسال وكالات إلى مندوبيه في مختلف الدول، فسيحتاج أقله إلى 3 أو 4 أشهر بين إقفال التسجيل وفتح باب الترشيح وموعد الانتخابات. من جهة أخرى، ثمة دول تمنع إجراء الانتخابات اللبنانية على أراضيها، ودول أخرى لا سفارات لبنانية أو قنصليات فيها، ما يعني عملياً حرمان عدد من اللبنانيين من الانتخاب. أما الثغرة الأساسية فتكمن في عدم تحديد طوائف المرشحين وتوزيعها على المقاعد الستة في القارات، وبالتالي إذا فاز أحد المرشحين من الطائفة الشيعية في أفريقيا، مثلاً، فإنه سيلغي تلقائياً كل مرشح شيعي من اللائحة التسلسلية حتى ولو فاز في قارة أخرى لأن المقاعد الشيعية قد استُنفدت. والأمر نفسه ينسحب على باقي الطوائف. ومن جهة أخرى، لم يسأل مشرّع المادة إياها، مثلاً، كيف لمرشح قارة أفريقيا التي تضم 52 دولة أن يتواصل مع رعاياه وناخبيه في 51 دولة أخرى؟ أضف إلى ذلك، أن العدد الأكبر من مرشحي الاغتراب سيكونون من رجال أعمال الفئة الأولى الميسورين مادياً، وإمكانية الضغط السياسي على هؤلاء كبيرة جداً، إذا ما تم تهديدهم في أعمالهم ولقمة عيشهم.
يبقى أن المواد التي تتحدّث عن آلية اقتراع غير المقيمين لم تتطرّق إلى تفاصيل العملية وآلية الاقتراع، بل ذكرت المقاعد الستة بطريقة سطحية، وأدرجت المادتين 123 و124 لهذا الغرض، بحيث تحدد الأولى مسألة تطبيق أحكام الفصل 11 من قانون الانتخاب المخصّص لاقتراع اللبنانيين غير المقيمين على الأراضي اللبنانية بيد لجنة مشتركة من وزارتَي الداخلية والخارجية، ودقائق تطبيق القانون بمراسيم تُتخذ في مجلس الوزراء بناءً على اقتراح وزير الداخلية، ما يعني أنه من الممكن تعديل مراسيم الاقتراع للمقاعد الستة بما يتناسب مع عملية الاقتراع. وهذا مرهون بما ستصل إليه الكتل النيابية في اجتماعات اللجان وبعملية التصويت على التعديلات.
مجموعات الحَراك: احذروا حرمانكم من التصويت
منذ الإعلان عن تقديم موعد الانتخابات النيابية إلى 27 آذار 2022، وفتح باب التسجيل لغير المقيمين، ينشغل الناشطون في مجموعات الحراك بالتحذير من «مخطط السلطة السياسية لإسكات المغتربين وإلغاء أصواتهم عبر التحجّج بتعليق المقاعد الستة في الخارج لتعليق تصويت غير المقيمين بالمطلق». ووفقاً للنائبة المستقيلة بولا يعقوبيان، فإنها والمجموعات المتحالفة معها يعتبرون أن حصر أصوات المقترعين بالمقاعد الستة هو «سلب لأصواتهم. فهؤلاء تهجّروا بسبب أحزاب السلطة ورعاتها ويجب على الأقل إعطاؤهم الحق بالتصويت لممثليهم داخل بلدهم. فأصوات المغتربين أكثر تحرّراً من أصوات اللبنانيين في الداخل».
من جهته، يقول المستشار في جمعية «كلنا إرادة» علي مراد إن «الخوف الأكبر هو في انتظار أحزاب السلطة لإغلاق باب التسجيل حتى تُقرّ التعديلات على القانون الانتخابي في ما خصّ المقاعد الستة واقتراع المغتربين»، وذلك «ليتسنى لهم الاطّلاع على أعداد المسجّلين وطريقة توزيعهم ليبنوا على الشيء مقتضاه». علماً أن العملية الانتخابية غير مضمونة أصلاً، «فالسلطة نفسها في عام 2014 وبعد أن عيّنت موعد الانتخابات ودعت الهيئات الناخبة، عمدت إلى إلغاء الانتخابات وتمديد ولاية المجلس». وبالتالي يصعب التكهّن بما ستصل إليه اجتماعات اللجان المشتركة المكلّفة بتعديل قانون الانتخاب، لذلك «نقوم بدعوة المغتربين الراغبين بالاقتراع إلى عدم التسجيل في الخارج في حال كان بإمكانهم الحضور للإدلاء بأصواتهم في لبنان في الدوائر التي ينتمون إليها. أما كل من يشكّ في قدرته على التواجد في لبنان في 27 آذار أو 8 أيار لاحتمال تأجيل الانتخابات، فننصحه بالتسجيل». وتكمن الخشية، بحسب مراد، من أن يكون عدد المسجّلين في الخارج ضئيلاً، «عندها ربما ستُستخدم هذه الحجة لإلغاء أصوات غير المقيمين في لبنان تحت عنوان تقليص النفقات المالية وتوفير القدرات البشرية».
كلّ هذا يضعه بعض النواب الذين يناقشون التعديلات في إطار «الأحلام»، خصوصاً أن الصوت الاغترابي غير محصور بدائرة واحدة بل موزّع على 15 دائرة، ومن الصعب أن يتناسب مع حاجة الحراك لضخّ أصوات في دائرة معينة لمصلحة لائحة معينة، ولن يكون له تأثير على أي نتيجة. ونتائج انتخابات 2018 أبرز مثال على ذلك.
إقبال على التسجيل في الخارج
بدأ اللبنانيون في الخارج تسجيل أسمائهم في جداول الشطب حتى 20 الشهر المقبل قبل إرسالها إلى وزارة الداخلية لضمّها إلى قوائم الناخبين المسموح لهم بالاقتراع. وقد أحصت وزارة الخارجية بعد يومين من بدء المهلة تسجيل نحو 2000 لبناني أصواتهم، ما يشير إلى احتمال وصول الرقم النهائي إلى ضعفَي رقم الدورة السابقة (83 ألفاً).
وحتى يوم أمس، بلغ عدد المسجلين 4797 توزّعوا كالآتي: 211 في أوقيانيا، 83 في أميركا اللاتينية، 918 في أميركا الشمالية، 1759 في أوروبا، 219 في أفريقيا، 1552 في الدول العربية، 55 في آسيا
وسجّل متابعون للتواصل مع المسجّلين في الخارج ملاحظات من بينها:
– عبّر مغتربون كثر عن تفضيلهم المشاركة في التصويت للمرشحين في بيروت لأنهم يمكن أن يشكلوا قوة إسناد لقوى ضعيفة في لبنان.
– نسبة الاقتراع قد ترتفع بسبب زيادة الهجرة في العامين الماضيين، ولأن معظم المهاجرين رحلوا احتجاجاً وضيقاً من القوى المسيطرة وقد يكونون معنيّين بتسجيل موقف أكثر جرأة ضد التركيبة الحاكمة بسبب وجودهم خارج لبنان.
– لوحظ أن التعبئة الحزبية التي رافقت الدورة الماضية ليست بالقوة نفسها، في مقابل نشاط لافت لمنظمات المجتمع المدني بالتعاون مع حكومات الدول التي يعيش فيها لبنانيون لحثّهم على التصويت.