مع إطلاق الاتحاد العمالي العام رسمياً معركة تصحيح الاجور ورفع الحد الأدنى الى مليون ونصف مليون ليرة، ارتفعت أصوات خبراء الاقتصاد لتحذّر من مخاطر اي رفع عشوائي للأجور لأنه سيؤدّي الى مزيد من البطالة والركود.
أطلق رئيس الاتحاد العمالي العام بشارة الأسمر «المسار العملاني والفعلي لتصحيح الأجور لرفع الحد الأدنى في القطاع الخاص الى مليون ونصف مليون ليرة».
وقال خلال مؤتمر صحافي عقده عن تصحيح الأجور ورفع الحد الأدنى في القطاع الخاص: إننا نطالب بوضوح، واستنادا إلى ما نصّ عليه قانون العمل اللبناني من أن «الحد الأدنى للأجور يجب أن يكون كافيا للعامل وعائلته بحياة كريمة»، لذلك وجب رفع الحد الأدنى الى مليون ونصف مليون ليرة.
وأكد ان كل الدراسات والأبحاث الميدانية والاقتصادية تثبت أن هذا المطلب يبقى دون تحقيق الحياة الكريمة التي حددها المشترع في قانون العمل، وخصوصا إذا ما أخذنا في الاعتبار بدل الإيجار السكني والأقساط المدرسية وكلفة النقل والمحروقات والضرائب الجائرة الناتجة من السلسلة وضعف التقديمات الاجتماعية وغياب الرعاية والعمال المكتومين في الصندوق الوطني للضمان الاجتماعي الذين يتجاوزون ضعف المضمونين الحاليين.
أضف إلى ذلك، إن أكثر من 50 في المئة من اللبنانيين من دون أي تغطية صحية سوى في حال الاستشفاء على نفقة وزارة الصحة والعقبات التي تحول دونها، أضف إلى ذلك فواتير المياه التي تدفع عشرات المرات وفواتير الكهرباء».
وتابع: إن الحد الأدنى للأجور في الشهر في وضعنا الراهن لا يكفي لأكثر من ثمن الخبز والأساسيات لعائلة مؤلفة من خمسة أفراد خلال شهر واحد في بلد يعتبر من بين أكثر البلدان كلفة للمعيشة في المنطقة.
كما أن المنطق الذي يسوّقه البعض في الهيئات الاقتصادية لجهة الاكتفاء برفع الحد الأدنى للأجور، أو زيادة مقطوعة كتلك التي صدرت عام 2008 وألغاها مجلس شورى الدولة لعدم قانونيتها، ليست قانونية ولا علمية ولا عملية. فالأساس في احتساب الشطور وتعديلها ينطلق من الأقدمية والرتب والحقوق المكتسبة.
كما أنه لا يمكن بناء سياسات الأجور من دون تشطيرها ووضع حد لها يتناقص كلما طاول الفئات والشطور الأعلى. واسألوا، أيها الأصدقاء، المراجع في مصرف لبنان إذا كان هناك من إمكان لبناء سياسة أجور عشوائية بهذا الشكل غير القانوني؟!».
وقال: «انطلاقا من كل ذلك، وبعدما أكدت الدراسات العلمية أن الأجور خسرت نحو 80 في المئة من قدرتها الشرائية بين الأعوام 1996 و2017 على الرغم من التصحيح الجزئي عام 2012، وكذلك بعدما شهدت البلاد ارتفاعا للأسعار بسبب الرسوم والضرائب في الشهر الأول من العام الحالي بنسبة 4,5 في المئة، وقبل أن تتفاقم الأمور ونصل إلى وضع يسمح بالادعاء بأن كلفة التصحيح تراكمت ولا يمكن تلبيتها، فإننا ندعو وزير العمل الذي أعلن، منذ وقت قريب، استعداده لدعوة لجنة المؤشر الى الاجتماع، أن يدعوها فورا الى البدء الجدي وفي روزنامة محددة لا تتجاوز الأسابيع إلى وضع كل الأوراق على الطاولة ومناقشتها بمسؤولية وانفتاح».
اضاف: «نحن كاتحاد عمالي عام لسنا بعيدين عن الوضع الاقتصادي في البلاد ولا عن المشاكل التي نعانيها، إنما ندعو إلى حوار هادئ ينتج منه اتفاق ينصف العامل في القطاع الخاص ويعيد إليه جزءا من حقوقه المهدورة.
علما أن الاتحاد العمالي العام أنجز دراسة علمية عن رفع الحد الأدنى للأجور في لبنان ورفع الشطور وتعديل التقديمات الاجتماعية من: رفع بدل النقل اليومي، رفع قيمة التعويضات العائلية، السعي الى تعديل مرسوم بدل الأقساط المدرسية، وخفض ضريبة الدخل على الشطور لذوي الدخل المحدود».
ودعا الاسمر الى حوار ينتج عقدا جديدا قائما على التفاهم بدل الرفض الدائم الذي يتناقض مع أدنى حقوق العامل في العيش الكريم».
خبراء يرفضون اقتراح «العمالي»
من جهته، وصف الخبير الاقتصادي مروان اسكندر الوضع بـ«الغير منطقي» وأشار لـ«الجمهورية» الى ان «الوضع الاقتصادي في لبنان لا يحتمل هذه الزيادة للحد الأدنى للأجور، اذ في حال اردنا مقارنة لبنان ببلدان أخرى، نرى على سبيل المثال في اليونان، ان الحد الادنى يساوي 600 ألف ليرة لبنانية، وهو أقل من الحد الأدنى في لبنان اليوم، في المقابل في اسبانيا يبلغ حوالي المليون ونصف ليرة، اي كالذي يطالبون به حاليًا في لبنان. ولكن لا يمكننا مقارنة اقتصاد اسبانيا باقتصاد لبنان، وبالتالي نحن نتمادى في اقتراحنا حيث لا يمكننا الوصول الى هذا المبلغ».
ولفت اسكندر الى ان «نسبة البطالة لدى الشباب في لبنان تصل الى 35%، بينما اذا عمدنا الى رفع الاجور عندها سترتفع هذه النسبة، حيث ان الحد الأدنى الذي يطالب به الاتحاد العمالي العام غير معقول قياسا بمستوى الاقتصاد اللبناني، بالمقارنة مع اقتصادات أخرى أكبر».
وختم «من الخطأ ان نعتقد أن رفع الحد الادنى للاجور هو الحل في الوقت الحالي، اذ يجب علينا ان نعالج مشكلة تلو الاخرى، وليس جميع المشاكل القائمة، والتسرّع في رفع الحد الادنى بهذه الطريقة».
من جهته، قال الخبير الاقتصادي لويس حبيقة لـ«الجمهورية» ان «رفع الحد الادنى الى مليون ونصف مليون ليرة مبالغ فيه، ليس لأن العامل لا يستحق، ولكن رفعه بهذه الطريقة يكلّف البلد الكثير في هذه الظروف اليوم، خصوصًا أن النسبة الاكبر من الاجور هي ما دون هذا المبلغ».
تابع: «كما أن في لبنان من يتقاضى الحد الادنى فقط، ويعمد الى العمل في مكانين، اذ أن الحد الأدنى لا يكفي. وبالتالي، يتمكّن الفرد من تأمين مدخول يفوق المليون ليرة بهذه الطريقة. من هنا يمكننا القول انه لا داعي لرفع الاجور بهذا القدر الذي يطالب به الاتحاد العمالي».
ولفت حبيقة الى انه «ليس من الخطأ رفع الحد الأدنى، ولكن الى حدود معقولة، على سبيل المثال يمكننا رفعه الى 900 ألف ليرة، أي ألاّ يتجاوز المليون ليرة، وعندها يمكننا تصحيحه سنويًا وبشكل تدريجي».