لم يعد أحد يعترض على التمديد للمجلس النيابي، ولا حتى يذكره… لا بالخير ولا بالشرّ. وهذا كان الدور المطلوب أن تؤديه لجنة التواصل النيابية في الأسابيع الأخيرة. أما البحث عن قانون للإنتخابات، فهو مسألة أخرى… بعيدة المنال!
ما يصنع قانون الإنتخابات في لبنان ليس زحمة القوانين، بل قرار سياسي يُفرض في لحظة سياسية، فيرضخ له الجميع. وبناءً عليه، تجرى الإنتخابات النيابية. وواضح أنّ قراراً من هذا النوع لم يتوافر. ولذلك، لا قانون ولا إنتخابات.
في التجارب السابقة، كان قانون الإنتخاب يأتي وفق معادلة القوة. فالقوي هو الذي يُرجّح القانون، وتالياً الإنتخابات في لحظة إجرائها… ولو كانت التسوية على القانون تأتي غالباً ضمن سلّة من التوازنات وتوزيع الحصص.
لكنّ المثير هو ما حدث في العام 2005، بعد ثلاثة أشهر من إغتيال الرئيس رفيق الحريري وشهرين من إنسحاب سوريا. فآنذاك، نشأ «الحلف الرباعي»، وعمد الفريقان المتنازعان إلى توزُّع المقاعد، وأقاما التحالفات الواضحة والمستترة في العديد من الدوائر. وكلّ ذلك جرى فيما الطرفان في ذروة الصراع القاتل!
وكذلك، كانت مثيرة إنتخابات 2009. ففريق «8 آذار» كان الأقوى في الدوحة، بعد 7 أيار 2008. وفي إعتقاده أنّ صيغة القانون التي جرى إقرارها ستتيح له الفوز بالغالبية (قانون 1960). لكنّ «14 آذار» فازت مجدداً. وفوجئ «حزب الله» آنذاك بالنتائج وسارع إلى تدراكها:
في المرحلة الأولى، إطمأن إلى أنّ «14 آذار» لن تصل إلى رئاسة المجلس. ثم سحَبَ النائب وليد جنبلاط، تحت الضغط، من الغالبية الـ14 آذارية، ففقدت تفوُّقها. وهكذا، برمَجَ «الحزب» عملية سحب البساط من تحت أقدام خصومه تدريجاً.
واليوم، السؤال مطروح: أيّ قوة داخلية هي المرجِّحة، وهل في مقدور هذه القوة أن تفرض قانون الإنتخاب الذي يلائمها؟
يعتقد كثيرون أنّ فريق «8 آذار» ما زال الأقدر على الفعل، فيما «14 آذار»، وفق ما أكد النائب السابق سمير فرنجية قبل أيام، «فقدت المبادرة وباتت في موقع المتلقّي». لكنّ «حزب الله»، لا يريد فرض خياراته حالياً.
والدلائل إلى ذلك عديدة:
1- هو أزاح الحكومة الميقاتية وجاء بحكومةِ الرئيس تمام سلام، وفيها يتمتّع «المستقبل» بوزن واضح كمّاً ونوعاً.
2- هو يُبقي ملف رئاسة الجمهورية وقانون الإنتخابات على نار بطيئة، ولم يًقرِّر أن يتجاوز «المستقبل»، في معزل عمّا إذا كان قادراً على تجاوزه أم لا.
3- هو يفتح باب الحوار، على الأقل من أجل الصورة وللشكل لا للمضمون… على رغم المشهد الملتهب إقليمياً.
وثمّة مَن يعتقد أنّ «حزب الله» يفضّل الإستعانة بالشكل التسوَوي، مرحلياً، ليتجنّب تحمُّل المسؤولية وحده عن المخاطر الآتية. ومن خلال تعويم خصومه، وفتح خطوط الحوار معهم، يأمل «الحزب» في مدّ الخطوط أيضاً مع قوى إقليمية وإسلامية ذات وزن، فيما هو غارق في النزاع السوري.
لكنّ هناك مَن يعتبر أنّ الوضعية التسوَوية التي يريدها «الحزب» ليست سوى خيار مرحلي. فهو، غالباً، يلجأ إلى المهادنة عندما يريد تقطيع المرحلة، إنتظاراً للصفقات الكبرى التي تحكمها الظروف الإقليمية. وفي أيّ حال، خصوم «حزب الله» يمارسون نوعاً آخر من الإنتظار والمراهنة الإقليمية.
لذلك، إنّ الحماسة التي تُبديها القوى الداخلية لإجراء الإنتخابات النيابية تبدو مجرد مناورة. والجميع يفضّل تأجيل الإنتخابات إلى أمدٍ غير محدّد. أما التذرّع بالظروف الأمنية للتأجيل فليس سوى عنوان للتبرير.
وليس «الحزب» ولا «المستقبل» في وارد الإستماع إلى الإعتراضات المسيحية على التمديد وقانون الإنتخاب، تماماً كما أنهما غير مستعدين للإستماع إلى الإعتراضات والمنازعات المسيحية في ملف رئاسة الجمهورية.
ومن هنا، فإنّ ما جرى في المجلس النيابي من فصول مسرحية، تحت عنوان قانون الإنتخاب، ليس سوى ملهاة بعد قرار التمديد. وقد شارك الجميع في المسرحية، عن عِلم منهم بأنها مسرحية أو عن غير علمهم. وهكذا، طُويت صفحة من المفاوضات القديمة- الجديدة حول القانون… إنتظاراً لصفحة أخرى.